رياض اخضير رياض اخضير

هل زيادة الأجور سبب الغلاء والتضخم؟

في كل مرة تطالب القوى الوطنية بزيادة الأجور لتمتين الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار التي تهدد وطننا، ولتعزيز دور سورية الممانع لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ويرد الفريق الاقتصادي بأن زيادة الأجور ستؤدي إلى غلاء الأسعار والتضخم، لذلك لن يتحسن المستوى المعاشي للعاملين بأجر. ومما يلفت النظر أن الحجج والمبررات التي يقدمها الليبراليون الجدد للتهرب من زيادة الأجور مكررة، فهي طرحت في القرن التاسع عشر زمن ماركس ودحضها في كراسه «الأجور والأسعار والأرباح» وهذا يدل على جهل دعاة السوق الحر بقوانين الاقتصاد السياسي الرأسمالي الذي يروجون له.

يقسم الإنتاج في أي مجتمع طبقي إلى قسمين، قسم لإنتاج السلع ذات الضرورة الأولية (غذاء، ألبسة..) والأخر ينتج سلع البذخ للطبقات الاستغلالية وحالياً للبرجوازية (قصور، يخوت، طائرات خاصة..) إن معدل الربح الوسطي في كلا القطاعين متساو، فأية زيادة في الأرباح  لصالح قطاع يؤدي تلقائياً إلى انتقال الرأسمال من القطاع الذي ربحه اقل، إلى القطاع الذي ربحه اكبر، وفي النهاية يتساوى معدل الربح الوسطي في جميع القطاعات الإنتاجية.

مما لاشك فيه إن زيادة الأجور تؤدي إلى غلاء أسعار مواد الاستهلاك الشعبي أولاً، لأن الطلب على هذه السلع سيزداد، فمن غير المعقول أن ينفق الشغيلة الزيادة على شراء سلع البذخ، لكن كيف سيتأثر الإنتاج عندئذ ؟! إن معدل الربح الوسطي في قطاع إنتاج سلع الاستهلاك الشعبي سيرتفع بسبب ارتفاع الأسعار، أما معدل الربح الوسطي في قطاع إنتاج سلع الترف فسينخفض بسبب زيادة الأجور، عندئذ سينتقل الرأسمال من قطاع الإنتاج الترفي إلى قطاع إنتاج حاجات الاستهلاك الشعبي، وبعد التقلبات في الأسعار والأرباح سيعود معدل الربح الوسطي ليتساوى في كلا القطاعين لكنه سيكون اقل من السابق، وتعود الأسعار إلى سابق عهدها، وإذا أضفنا، إن الإنتاج ليس مقدارا ثابتا بل ينمو بسبب التراكم الرأسمالي والإنتاج الموسع، لذلك كمية البضائع المعروضة في السوق متزايدة باستمرار وهذا يعني انخفاض سعر البضائع بصورة عامة.

إن زيادة الأجور تؤدي إلى تحسين مستوى معيشة العمال على حساب الاستهلاك الماجن للبرجوازية الطفيلية والبيروقراطية.. أيها السادة إن الاحتكار وتصدير سلع الاستهلاك الشعبي وخاصة المواد الغذائية، يعتبر السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار الجنوني، فهم يستوردون الكماليات والخدم والقطط..الخ، وبدون جمارك لزيادة استهلاك البرجوازية الكمبرادورية المقزز، ويصدرون المواد الغذائية لزيادة أرباح البرجوازية الطفيلية ويحرمون الشغيلة من نتاج عملهم، فعلاً (اللي اختشوا ماتوا) جوهر المسألة هو أين يعمل القسم الأكبر من الشغيلة، هل يعمل في إنتاج بضائع الاستهلاك الشعبي، أم في إنتاج بضائع الاستهلاك الترفي للبرجوازية (في بناء قصور يعفور)؟! هذه الحقيقة يعجز اقتصاديو الليبرالية خريجو الجامعات الغربية عن إدراكها، بسبب ضيق أفقهم الطبقي.. صحيح أن مستوى معيشة العاملين في الدولة تحسن بشكل ملموس نتيجة زيادة الأجور المتتالية مع استلام الرئيس بشار الأسد للحكم، لكن مع تحرير التجارة والاستجابة لطلبات البنك الدولي، عاودت الأسعار ارتفاعها وانخفضت القيمة الفعلية للأجور، ثم لماذا لم يزد القطاع الخاص الأجور إذا كان سيدفعها بيد ويستردها باليد الأخرى؟!.

الحجة السطحية الثانية، إن زيادة الأجور تتطلب كتلة نقدية إضافية لدفعها نتيجة لعجز الموازنة، بالتالي التضخم النقدي. في منتصف القرن التاسع عشر كانت الليرة الذهبية الانكليزية تدور 52 مرة في السنة بفضل اتساع وتمركز نظام المدفوعات المصرفي البريطاني، كان العامل يأخذ أجرته ويشتري بها حاجات ذات الضرورة الأولية، أي يسلمها إلى الدكنجية في نهاية الأسبوع وبدورهم يسلمونها إلى المصرف كل أسبوع الذي يعيدها إلى صاحب المعمل  ليدفعها أجور لعماله من جديد، لاحظوا ليرة ذهبية تدور 52 مرة في السنة أي أنتاج  قيمته 52 مليار يحتاج لتداوله مليار جينيه إسترليني ذهبي، أمر مذهل تدور الليرة 52 مرة في ظل نقود معدنية وزنها يقدر بالأطنان وطرق ووسائل نقل متأخرة عربات تجرها الحيوانات، أما الآن وفي ظل عملة ورقية ووسائل نقل ودفع متطورة (طرق حديثة ، طائرات وصرافات آلية..) كم مرة يجب أن تدور قطعة النقد فئة الخمسمائة ليرة سورية في السنة؟! إني اسأل وزارة المالية ما هي قيمة الإنتاج الوطني السنوي وما هو مقدار الكتلة النقدية التي تخدمه؟! هنا يكمن مضمون التطوير والتحديث وليس الاستسهال وتنفيذ شروط المؤسسات المالية الدولية الخاضعة كلياً للإدارة الأمريكية، أضف إلى ذلك، محاربة الفساد والهدر والتهرب الضريبي، يؤمن الكتلة النقدية اللازمة لدفع زيادة الأجور دون طبع أي قطعة نقد جديدة.

أيها السادة إن سبب التضخم هو تهريب قوى الفساد الكبرى لأموالها إلى الخارج عبر بيروت وعمان، لذلك فإن قسماً كبيراً من الكتلة النقدية موجود في مصارف هاتين المدينتين، وهي إحدى أدوات الضغط على السياسية الوطنية السورية، لأن عرضها في السوق بشكل مفاجئ يؤدي إلى انهيار قيمة الليرة السورية، كل حلول الحكومة للمشاكل الاقتصادية على حساب ذوي الدخل المحدود أخرها إلغاء الدعم، لأنها لا تتجرأ على اتخاذ إجراءات حازمة تجاه الفاسدين، ينادون بالوحدة الوطنية بالأقوال ويضعفونها بالأفعال، في ظل تصاعد العدوان الإمبريالي الأمريكي على المنطقة فان الوحدة الوطنية الحقيقية تقتضي زيادة الأجور فورا.

حلب /13/10/2007