مطبات التنمية المستدامة على طريقة البدوي
يبدو أن وزارة الإدارة المحلية والبيئة تريد من المواطن السوري أن يفكر بالتنمية المستدامة على طريقة البدوي الفقير الذي تصدق عليه أحدهم بصرة من الدقيق يتدبر بها أمره، فوضع الصرة على رأسه وراح يفكر كيف سيتصرف بها، قائلاً لنفسه: سأذهب وأبيع الصرة وأشتري بثمنها صيصاناً صغيرة أربيها فتكبر وتصبح دجاجاً كثيراً، فأبيعها وأشتري بثمنها نعجة ثم تلد النعجة خرفاناً ونعاجاً إلى أن يصبح لدي قطيع أغنام، فأبيعه وأتزوج بثمنه ثم أنجب بنتاً جميلة تكبر وتصبح صبية يتهافت عليها الخطاب..
وراح يفكر كم سيطلب من أكياس النقود مهراً لها مخاطباً نفسه: (أول كيس ما أنطيها) و(ثاني كيس ما أنطيها)، فانفعل وهو يعد أكياس النقود التي سيطلبها، وإذ بصرة الدقيق تسقط عن رأسه على الأرض المبللة مبددة كل أحلامه..
نتكئ على هذه القصة لنقول إنه خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في فندق «الفورسيزنس» بمناسبة قرب انتهاء مشروع لوكس للترويج لتطبيق التنمية المستدامة في التخطيط المحلي، بيّن مدير البيئة في وزارة الإدارة المحلية أن 7 % فقط من مسؤولي الإدارة المحلية يعرفون ما معنى التنمية المستدامة، وأن 8 من أصل 12 محافظاً لم يسمعوا بهذا المفهوم، وبيّن أن التنمية المستدامة هي تلك التي تلبي احتياجات الحاضر دون النيل من قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها كوضع خطة لتنمية القطاع الزراعي وزيادة إنتاجه دون التسبب بتلوث التربة التي تحرم الأجيال القادمة من متابعة هذه التنمية، وبيّن أن هذا الموضوع يقع بالدرجة الأولى على عاتق المجتمع المحلي ومشاركته للحكومة في هذه التنمية، وأن خطة التنمية المستدامة في سورية تقوم على توعية هذا المجتمع، وبرر عجز إدارته عن فعل أي شيء تجاه وصول مؤشرات كل أنواع التلوث البيئي إلى أرقام مرعبة وكارثية، بأن التلوث الحاصل حالياً هو نتيجة سياسات تنموية كانت صالحة ومبررة في وقت سابق، ولكنها خلفت تلوثاً في الوقت الحاضر، وضرب مثالاً على ذلك تلوث المياه الجوفية والتربة في غوطة دمشق الشرقية، فبين أن تلوث الغوطة الشرقية كان نتيجة سياسة تنموية للقطاع الزراعي تهدف إلى زيادة الإنتاج في تلك المنطقة، واستخدمت لتحقيق هذه الغاية المبيدات والأسي فترة كان استخدام تلك التقنيات مبرراً من أجل التنمية، مما أدى لاحقاً إلى تلوث التربة والمياه الجوفية بالنترات والمعادن الثقيلة، كما تم الحديث عن ضرورة توعية المواطن عن طريق المحاضرات التي تشرف عليها البلديات بالتنمية المستدامة وجعله يفكر بالأجيال القادمة ويحسب حسابها أثناء تفكيره بمشاريع تنموية، ولكننا نرى أن المواطن الذي يقضي أكثر من ساعة في التزاحم مع إخوانه المواطنين من أجل الحصول على مكان يجلس فيه القرفصاء في سرفيس مزدحم، ثم يقف في طابور طويل لعدة ساعات من أجل الحصول على اسطوانة غاز، ثم ينتقل إلى طابور آخر للحصول على بيدون مازوت، ثم ينتقل إلى طابور ثالث من أجل الحصول على حاجته من الخبز، وهو الذي يعيش في حارات تنعدم فيها الخدمات، لن يستطيع أن يفهم حاجات الأجيال القادمة، فحكومة لم تبق لنا نحن مواطنيها أي قدرة على تلبية احتياجاتنا، كيف ستطلب منا أن نحسب حساب الأجيال القادمة إلا إذا كانت تريدنا أن نفكر بطريقة البدوي الذي حصل على صرة الدقيق.. ولكن حتى لو اقتنعنا مع حكومتنا بطريقة البدوي بالتفكير، فنحن لا نمتلك حتى صرة الدقيق التي بنى عليها البدوي كل أحلامه وفكر بمستقبله ومستقبل ابنته على أساسها.