هواية سورية بامتياز!
كثيراً ما نرى أو تتداعى إلى أسماعنا حكايات عن مدمن مخدرات، وآخر مدمن كحول، وليس أخيراً مدمن التدخين بأشكاله..... وثمة أشكال من الإدمان تختلف كماً نوعاً، ولكل هواه وكيفه....
ولكن هل سمع أحدكم يوماً عن مدمني الحفر و«التنكيش»؟؟ بالتأكيد هذا التساؤل يوحي لكم بإجابة سريعة تختصر الواقع المضني والمؤلم الذي نعيشه.... فمدمنو هذه الهواية موجودون بيننا، وللأسف فإننا ندفع ثمن إدمانهم من هدوء عيشنا وسلامة صغارنا وحتى كبارنا، فتلك حفرة تجهل مولدها ومدة استمرارها على ما هي عليه، وتجهل من ولي أمرها.... وذاك خندق استطالت نهايته إلى ما لا نهاية مكاناً وزماناً.... وإن تقرر أن يردما بعد استجداء وتوسل طويل، فخط إسفلت حسبت كميته بالسنتمتر يحمل شكل منحنٍ متعرج، بارز وربما ضامر، سيرمى فوقها تاركاً ندبة لعملية تجميل فاشلة تميز هذا الشارع أو ذاك الزقاق إلى أجل غير مسمى، وإلى أن تخصص ميزانية تكفي ليعبد الشارع بالكامل، و«رب عذر أقبح من ذنب»..
إنه لمن المألوف أن تجد تحت المكان المخصص نظرياً للمشاة، أو في أي شارع أو زقاق، كابلاً ممتداً يعود ريعه لمصلحة الهاتف... وأبعد يميناً أو يساراً، قسطلاً يعود لمصلحة الصرف الصحي... وخلف كل ذلك أو أمامه ماسورة حجمها بالإنش حتماً، لا يضير إن حُفر لها وكر تتخندق فيه بالقرب من سابقاتها، تعود لمصلحة مياه الشرب... وأخيراً، وغالباً ليس آخراً، هناك كوابل شبكة الكهرباء التي كانت منذ زمن ليس بالغابر تعلق في الهواء، لكنها باتت متهمة بأنها تفقد الشارع مظهره المتهم بأنه «حضاري»، لذلك ارتئي أن يُخصّص لها مكان ترقد فيه إلى جانب ما سبقها، فما زال في الأرض بقية، وأدوات الحفر متوفرة، والأهم أن مدمني الحفر موجودون ومتحفزون...
إنها واحدة من مشاكلنا التي نعانيها. حلها بسيط، ولكنه مرعب لمن لا يريد أن يجد حلاً...
فخندق عمقه متر ونصف المتر أو يزيد، وعرضه كذلك أو يزيد؛ تسلح جوانبه بالإسمنت، ينفذ مرة واحدة وإلى الأبد، كفيل بأن يستوعب ما يوارى (كل حين ومين) تحت أرصفتنا وشوارعنا التي صرنا نجهل الغاية منها.
إنه حل مبدئي، ومن شأنه أن يؤمن لنا راحة جزئية من مجمل ما نحن نفتقده منها، ومن سلامة ميزانية تهدر مع بداية ولا نهاية كل حفرة حفرت أو تُحفر.... ولكن ما باليد حيلة، فهؤلاء المدمنون لا يريدون أن يشفوا من إدمانهم لغاية باتت واضحة وضوح حفر وخنادق لا تعد ولا تحصى، بعضها زُيّن وبعضها لم يُزيّن بكمية إسفلت أو أشياء أخرى تستره... فادعوا معي (عساها تكون لحظة استجابة) بأن يشفى أولئك من إدمانهم، ونتمتع نحن بحقنا في سلامة صغارنا وكبارنا.. وأيضاً ميزانيتنا.