ضرورات التحرك الشعبي ضدَّ الغلاء
منذ أن تم الأخذ بما سمي باقتصاد السوق الاجتماعي، يتم شيئاً فشيئاً تحرير كل شيء في البلاد باستثناء القوى المنتجة التي مازالت مقيدة بألف قيد وقيد، ورغم الوعود المخملية التي أطلقتها جوقة أنصار هذه السياسة داخل جهاز الدولة، فإن الوقائع تؤكد أنها بالضد من مصالح أوسع فئات الشعب السوري، وتضع وبشكل يومي المصاعب أمام المواطن في تأمين أبسط حاجاته المادية والروحية، وبالتالي تخلق حالة من القلق، والاستياء الجماهيري، ويطرح المواطن سؤالاً مشروعاً وهو: إلى أين سنصل؟!
إن منطق الأمور يقودنا إلى الاستنتاج بأن الاستمرار بهذه السياسة الاقتصادية، سيعمق الاستقطاب الطبقي الحاد الموجود أصلاً في المجتمع السوري، وسيُبلور رغم إرادة الكل، أشكالاً مباشرة من الصراع الطبقي في الشارع السوري بين الأغلبية المتضررة، والقلة الناهبة والمستفيدة من هذا الوضع سواء أَكانوا داخل جهاز الدولة أو خارجه. أما الظن باستمرار الوضع كما هو، فهو نتاج ذهنية تعيش خارج إطار الزمان والمكان، وهي تعبير عن حالة من العطالة الفكرية والسياسية..
ومن هنا فإن إحدى المهام الرئيسة لكل القوى الشريفة في البلاد تكمن في تأمين أشكال من التحرك الجماهيري الواعي والمنظم ذي أفق وطني ضد هذا الغلاء الفاحش، وضرورات ذلك تنبع من :
- إنه حق مشروع يندرج تحت إطار الدفاع عن مصلحة الأغلبية الساحقة من الشعب في تأمين متطلبات الحياة الكريمة.
- كونه ضرورة وطنية، فالقوى الوحيدة القادرة على مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني هم الفئات الشعبية الواسعة، وإنهاكها بالركض وراء لقمة عيش كريمة هي موضوعياً خدمة للمشروع، وزج هذه الجماهير في المعركة يمر عبر الدفاع عن مصالحها المباشرة.
- إن هذا التحرك سيصحح الخلل في ميزان القوى بعد الترهل الذي أصاب معظم القوى السياسية في البلاد، ويعيد الفعل السياسي إلى المجتمع، ويضع الصراع على سكته الواقعية، وبالتالي يقطع الطريق على أية أشكال ملوثة ومشوهة من الصراع قد تظهر تحت ضغط حالة الاحتقان المتراكمة، والتي يمكن أن يستفاد منها في تسويق الفوضى الخلاقة الأمريكية.
- إن الحراك المنشود ضرورة أخلاقية، فالفقر، والحاجة والحرمان، هي مقدمات الشذوذ الاجتماعي والانحراف القيمي، وتفسخ النسيج الاجتماعي الذي يزداد طرداً مع استفحال الأزمة المعيشية.
- إن هذا الحراك يمكن أن يكون عاملاً مساعداً للقوى الشريفة ضمن جهاز الدولة، التي لا يمكن الاستغناء عنها في إجراء انعطاف تاريخي في حياة البلاد، ويفتح الآفاق لمشروع مقاومة تاريخي ضد كل ما يستهدف كياننا الوطني..