الأطر الإدارية البالية في محافظة درعا! الجيولوجي: عيسى العتمة

طالعتنا الصحف الرسمية في الآونة الأخيرة وبشكل متواتر، بطرح موضوعات كنا قد طرحناها سابقاً، سواءً عبر صحفنا الحزبية أو اللقاءات الجبهوية أو النقابية, وكان الرد يأتي بشكل مرتجل وغير مسؤول، وبالتالي فهو غير وطني، عندما يقال إن الصحف الصفراء أو الحمراء لا ترى إلا السلبيات، وتتغاضى عن طرح كل ما هو إيجابي. ونعتقد أنه فيما لو أُخِذت تلك الموضوعات التي طرحناها وطرحها غيرنا، على محمل الجد وعولجت في وقتها، لكانت الأضرار الناجمة عنها أقل بكثير مما وصلنا إليه، من فساد فاحت روائحه النتنة هنا وهناك.

إن عقلية الذات المتضخمة، والتي لا تقبل الرأي الآخر المخالف لرأيها، تستقي معلوماتها وأفكارها من البطانة المحيطة بها، تشكل حاجزاً انتقائياً لمرور المعلومات، ولا تسمح إلا بمرور ما يلائم مصالحها وارتباطاتها، لتجني ملايين الليرات، وربما آلاف الدولارات، وبذلك يشكلون الضباب الكثيف، ليس لحجب الرؤية فقط، وإنما للتستر على رجال الأعمال والصفقات المشبوهة هنا وهناك، ويرافق هذه البطانة من الجهة الأخرى تلك الأقلام السياحة المداحة، التي تكيل المديح بمناسبة ودون مناسبة، للمسؤولين ولبعض الإدارات التي ثبت لاحقاً فسادها. والتي تتحمل المسؤولية الأولى بشكل أو بآخر عن الواقع الاقتصادي المتردي، الذي وصلنا إليه في بعض الفواصل الهامة. لأنها قامت بالتضليل وإعطاء أرقام وهمية عن إنتاجيات وهمية وغير موجودة أصلاً، فما الذي جرى؟ يبدو أننا بدأنا نكتب عن كل ظواهر الفساد دفعة واحدة، وما خفي كان أعظم، لأن القاصي والداني يعلم خفايا الأمور وربما أكثر مما تعلمون أيها السادة. والشيء الذي لا يستطيعون قوله الآن: «إن غداً لناظره قريب». وذاكرة الشعوب يقظة وقوية مازالت تجعلنا نتحدث عن تجاوزات مضت عليها عشرات السنوات، وأبطالها يعيشون في ثراء فاحش ناجم عن تخريب وهدر المال العام وجني أموال غير مشروعة لم يسألوا حتى الآن من أين!! والطرق التي جمعوا فيها الثروات تطبيقاً للقول المأثور: فضيحة الغني وجنازة الفقير، لا أحد يسأل عنهما. ولله العجب. تحدثنا في مجلس المحافظة السابق، وعبر مذكرات مقدمة عن ظاهرة انتشار وامتداد حفر الآبار المخالفة التي وصلت إلى حرم الأحواض المائية، وأدت إلى جفاف العديد من الينابيع والآبار. وقلنا إن عشرات الحفارات المملوكة لبعض المستنفذين والمحروسة من  بعض الجهات والمعروفة سماسرتها، وأماكن تواجدها، لا تحتاج لأي جهد إذا أراد البعض معرفتها وهذه الحفارات التي كانت محصنة قامت بحفر آلاف الآبار، وإحصائية /1235/بئرا ليست دقيقة، وتحتاج للتعديل، لأن كل مالك رخصة بئر نظامي، لديه على الأقل أربعة إلى خمسة أبار أخرى غير مرخصة، وتعود لأصحاب المال الوفير، جداً.

إن مسألة تغيير المسؤول وإبداله بأخر، وعفا الله عما مضى لا تعتبر حلا وطنياً من أجل مكافحة الفساد والقائمين عليه، ولكن ما يثير الشك والريبة، إن مراكز الفساد تعيد إنتاج نفسها بنفسها عبر نقل رموزها من موقع لآخر، وأكثر فعالية، وبذاك تقوم بتحصين نفسها مرة تلو مرة.

إن عدم اجتثاث آليات إنتاج الفساد ورموزه، وإبدالها بآليات إنتاج جديدة تعتمد على عدم تغييب الكفاءات من ذوي الأكف البيضاء، المشهود لهم تاريخياً،وهذه تعتبر الخطوة الأولى في سلم أولوياتنا الوطنية الإصلاحية، إن الفساد عندما يكرر إنتاج نفسه، يبدأ خطواته الأولى مستفيداُ من أخطائه السابقة، وسيستغرق وقتاً طويلاً لكشفه.

نذكر المسؤولين الذين يتحدثون طويلا وبشكل مسهب عن الوطن والوطنية، ماذا فعلوا بمن ساهم وسهل عمليات حفر الآبار تهريباً. إنهم يستخدمون وسائل إنتاج متطورة للفساد، سواء بالتحايل على القوانين والأنظمة، أو بوصولهم لمواقع القرار والاستئثار به.

ما يؤلمنا في هذه المحافظة هو مظاهر التهريب المنظم، الذي يتم عبر منفذي الحدود، على مرأى ومسمع وتسهيل البعض، ممن جمعوا خلال أشهر قليلة عشرات الملايين من الليرات السورية، ظهرت من خلال القصور والفيلات والسيارات الفارهة، والمعيشة المترفة، هذه الفئة المتعيشة في مراكز الحدود، هل تجرأ أحد على سؤالهم عن مصدر ثرواتهم؟! والعيش الرغيد الذي يعيشونه؟ بدلاً من التحدث طويلاً وبشكل ممل عن ضرورات رفع الدعم عن المازوت.

يلاحقني السؤال التالي: كيف تستطيع بعض الجهات أن تعرف ماذا كان يعمل جد جدك ولا تستطيع ملاحقة مهربي خيراتنا الوطنية؟

هذا السؤال موجه لكل مسؤول همه الأول والأخير الوطن، وكيفية المحافظة عليه، وكيفية العمل على تحسين الوضع المعيشي لجماهيرنا الفقيرة.

قرأنا وسمعنا عن وجود أقبية مملوءة بالأدوية، والمنشطات الجنسية «للرجال والنساء»، تم كشفها بالمصادفة بسبب اشتعال حريق. وقرأنا عن إغلاق عشرات الصيدليات التي تبيع الأدوية المهربة ومنتهية مدة الصلاحية، في مركز مدينة درعا، والسؤال: ما هي أحوال الصيدليات الموجودة على بعد عشرات الكيلومترات من مركز المحافظة، وخاصة إن مهنة بيع الأدوية «الصيدلة»، أصبحت مهنة المهندسين والمعلمين والمتقاعدين من كل الاختصاصات، وهناك الشيء الكثير الذي يمكن التحدث عنه، مثل تهريب اللحوم والأدوية والمازوت، ولا ندري ما يصلنا من مصائب.

هل يجب الاستسلام لطغيان الفساد بعدم المبالاة بالجهات المسؤولة؟ أم العمل على أساس أننا  جميعاً، شركاء متساوون بالوطن، وبالمحافظة عليه، رغم أننا لسنا متساوين بالمزايا أو الحقوق. وكوننا متساوين بالوطن، عليكم الإصغاء لطروحاتنا، وعليكم القبول بالتحاور واحترام الرأي الأخر، على قاعدة «رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأيك صحيح يحتمل الخطأ»، وانطلاقاً من أرض الوطن، وسقف المواطنة الحقة، نقول: إن في إعطاء العمل المؤسساتي المزيد من المرونة والديمقراطية والصلاحية، قد نستطيع تجنب الكثير من المشاكل والصعاب، فمثلاً إعطاء الديمقراطية الكاملة غير المنقوصة لمجالس الإدارة المحلية عبر اختيار رؤساء المجالس والمكاتب بالانتخاب المباشر، من  مجالسها المنتخبة، يوطد ويقونن عملها، لأن مبدأ التعيين منافي للديمقراطية، ويلغي احترام مبدأ «الرأي والرأي الآخر». ويجرد الرأي الأخر من وطنيته، وتسود عقلية «الأنا»، التي محصلتها «قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نشاء».

ومبدأ التعيين المُتّبع، قد لا يوصل أصحاب المؤهلات والكفاءات الإدارية والفنية والعلمية، للمواقع المسؤولة، وطغيان عقلية العمل المكتبي على عمل المجالس المحلية والمحافظات، يفرغها من محتواها، ويتحول بعض أعضائها إلى صور فوتوكوبية للمحافظ، لا رأي إلا رأيه، ولا ابتسامة إلا ابتسامته، ولا قرار إلا قراره.

لا نطالب أن يضمحل دور المحافظين، لكننا نريد أن تتسع صدورهم ووقتهم لكل ما يخالف رأيهم.

لأننا جميعاً نعمل تحت سقف الوطن والمواطنة الحقة، وحرصنا على وطننا، كحرصنا على حدقات عيوننا.

نتمنى أن تأخذ مقترحاتنا طريقها للتنفيذ، من أجل تعزيز وتطوير عمل مجالسنا، لما فيه خير الوطن والمواطن.

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 15:34