«حوش الريحانية».. حيٌّ محكوم بالتجريد من الحقوق الخدمية!
بالرغم من عمره الذي يزيد عن خمسين عاماً وحجمه الذي أصبح بحجم قرية، إلا أن حي (حوش الريحانية) التابع لمنطقة الحجر الأسود لا يزال محكوماَ بالتجريد من الحقوق الخدمية من مجلس مدينة الحجر، والحجج جاهزة، فمرة بسبب تبعية قسم من الحي لبلدية يلدا، وتارة بسبب عدم اعتماد الحي كمنطقة مخالفات من المحافظة، وسكان الحي الذين يتجاوز عددهم المئتي عائلة مازالوا يعيشون ظروفا مأساوية بسبب رفض مجلس المدينة تخديمهم بأي نوع من أنواع الخدمات، فالشوارع ترابية، تتحول إلى مستنقعات في فصل الشتاء، والأطفال يقطعون أكثر من 2 كم مشياَ على الأقدام عبر هذه الطرقات للوصول إلى مدارسهم، ومياه الاستعمال المنزلي يشتريها سكان الحي بـ125 ل.س لكل خزان سعة 5 براميل، وعليهم قطع 3 كم على دراجاتهم الهوائية لشراء بيدون من مياه الشرب، وعليهم قطع 1.5كم لرمي كيس قمامة على طرف طريق بعيد عن المنازل، أما الكهرباء فهم يستجرونها من أقرب عمود كهرباء عن الحي عبر أسلاك تمتد مئات الأمتار، مقابل بعض الرشاوى لعمال طوارئ الكهرباء الذين يأتون بين الحين والآخر ويقطعون تلك الأسلاك ويأخذونها، ليعود الأهالي لشراء أسلاك أخرى بعد اتفاق آخر مع الطوارئ، أما مشكلة الصرف الصحي فهم إلى الآن لا يعلمون كيف سيحلونها، فهم يصرفون مياههم المالحة عبر «جور» فنية تتسرب المياه منها إلى أساسات بيوتهم، وإلى بلاط الغرف الذي هبط معظمها..
شهادة حية
السيد عوض محمد عيتاوي شرح لنا عن معاناته في الحي فقال: لقد بنيت منزلي على مراحل (من الجمعيات التي كنت أشترك بها مع أبناء الحي) وأنا أراه الآن يتصدع أمام عيني من مياه الصرف الصحي التي تتسرب من الحفر الفنية إلى أساساته، وتابع السيد عوض: حاولت تأمين بعض الخدمات للحي عن طريق مراجعة بعض المسؤولين في المحافظة، وفي قسم كهرباء السيدة زينب الذي يتبع له حينا كهربائياً، وفي شركة كهرباء ريف دمشق، ولكن دون فائدة، فبالرغم من عمر حينا الذي يتجاوز الخمسين عاماً، إلا أننا لانزال إلى الآن محرومين من خدمة الكهرباء، وقد تقدمنا بعدة طلبات إلى مؤسسة الكهرباء، ولكن دون فائدة، ونتيجة الطلبات المتكررة التي تقدمنا بها، جاءت لجنة فنية من قسم كهرباء السيدة زينب وقامت بالكشف على المنطقة في عام 2005م، وقالوا لنا حينها إن توصيل شبكة الكهرباء إلى الحي يحتاج إلى محطة تحويل، وطلبوا منا أن ندفع 3.5 مليون ل.س ثمن محطة التحويل ليتمكنوا من تزويدنا بخدمة الكهرباء، وطبعاً لو كان أهل الحي يملكون هذا المبلغ لما سكنوا فيه أساساً، فتوجهنا إلى مديرية كهرباء الريف وتقدمنا بطلب لتزويدنا بالكهرباء، فأرسلوا لجنة فنية جاءت للحي مرتين، وخرجت بنتيجة أن الحي يحتاج إلى محطة تحويل، وطلبت منا أن نأتي بموافقة من المحافظ من أجل تزويدنا بتلك المحطة. وتابع السيد عوض: تقدمنا بطلب إلى محافظ الريف الذي وافق على طلبنا بموجب الكتاب رقم 1710 /402 تاريخ 2/4/2006 بعد موافقة المجلس التنفيذي بجلسته رقم 21/تاريخ 26/3/2006 على اعتماد منطقة التجمع السكني في حوش الريحانية بيلدا كمنطقة مخالفات لتزويدها بالكهرباء ، ولكن مدير كهرباء ريف دمشق قال لنا عندما أخذنا له موافقة المحافظ بأنه لا يوجد إمكانية الآن لتزويدنا بالكهرباء وطلب منا أن لا نراجعه قبل العام 2008 فقد ندرجكم بخطة ذاك العام وتابع السيد عوض : لقد قلنا للسيد مدير كهرباء الريف أننا نستجر الكهرباء من مسافات بعيدة وبطريقة غير نظامية فهل من المعقول أن نبقى سنة ونصف أخرى دون كهرباء فأجابنا دبروا رأسكم الآن فليس لدينا الإمكانات ، وقام بدوره بإخبار قسم كهرباء السيدة زينب بأننا نستجر الكهرباء والتي أصبحت ترسل الطوارئ بشكل مستمر فتقطع الأسلاك وتأخذها معها فنضطر لشراء أسلاك أخرى، ولا نزال إلى الآن نعاني من هذه المشكلة مع الكهرباء.
أما السيد شحادة .ع، فقد أكد أن حجة البلدية في عدم تخديمنا هي أنها لن تستطيع ذلك ما لم نخدم بالكهرباء، ولا ندري ما هو الرابط بين خدماتهم وبين تزويدنا بالكهرباء؟ وأحياناً يتحججون بأننا لا نتبع لهم كوننا نتبع عقارياً لبلدية «يلدا»، مع العلم أن هناك أحياء كاملة تتبع عقارياً ليلدا، وتقع في منطقة الحجر الأسود وتخدم بكل أنواع الخدمات من مجلس مدينة الحجر. وأضاف أن «خط الصرف الصحي للحجر الأسود لا يبعد عنا أكثر من 200 متر، ومع هذا فهم لا يصلون حينا به، علماً أن مياه الصرف الصحي تتسرب من الحفر الفنية التي نستعملها إلى أساسات بيوتنا وتهددها بالانهيار. وعن خدمة الهاتف أكد السيد شحادة أن هناك بعض العائلات القليلة مدت خطوط هاتف من علب تبعد عن الحي بين 400 – 600 متر. وتابع السيد شحادة: أما بالنسبة لمياه الشرب، فنحن محرومون منها، إضافة إلى أن باعة المياه لا يصلون إلى حينا فنضطر للذهاب على الدراجات الهوائية لمسافة 3كم من أجل شراء بيدون ماء للشرب، أما بالنسبة لمياه الاستعمال المنزلي، فإننا نشتريها بأعلى من ثمنها في باقي المناطق، إضافة إلى أن نوعية المياه التي يبيعوننا إياها سيئة جداً ولا تصلح لشيء، وكثيرٌ من أطفالنا أصيبوا بأمراض جلدية نتيجة استعمال تلك المياه التي لا ندري من أين يأتي بها الباعة، فالبعض يقول إنها مياه مسابح، والبعض الأخر يقول أنها مياه آبار ارتوازية.
شهادات أخرى
أما السيدة وداد حسين فقالت: «عمر بيتنا تسع سنوات، ومنذ أن بنيناه ونحن نعاني الأمرين بسبب عدم وجود أي تخديم، فكل بلدية ترمي بالمسؤولية على البلدية الأخرى، وأنا أقطع يومياً 3كم مشياً على الأقدام لأصل إلى سوق الخضار وأتسوق حاجيات أطفالي، كما أضطر لقطع أكثر من 1.5كم كي أرمي القمامة بعيداً عن حينا الذي لم يدخله عامل تنظيفات منذ إنشائه»!
أما السيدة آمنة فقالت: «لدي طفل في الصف السادس يضطر يومياً للسير 5كم ليصل إلى مدرسته عبر طريق زراعي مملوء بالحفر والطين، علماً أن في الحي أكثر من 200 طالب ابتدائي يعانون معاناة ابني نفسها.
أما محمد نصار، فقد أكد أنه موظف ويعاني الأمرين للوصول إلى وظيفته، ففي فصل الصيف عليه قطع مسافة 2كم عبر طريق غير معبد مليء بالغبار والأتربة، أما في فصل الشتاء فتتحول الطرقات إلى برك من الماء والوحل. وأضاف: في الشتاء أستهلك يومياً 4 أكياس نايلون للذهاب إلى وظيفتي، فأنتعل اثنين في الذهاب كي أسير بهم فوق الطين، وأرميهم حين أصل إلى الإسفلت، وأحتفظ بكيسين آخرين كي أنتعلهما حين عودتي من الوظيفة!! وأضاف: بالنسبة للقمامة في الحي هناك بعض العائلات تحمل قمامتها مسافة 2 كم لترميها في الخلاء، وبعضهم يرمي قمامته على أطراف البيوت مما يتسبب بروائح كريهة وأمراض لسكان الحي، وأضاف: هناك الكثير من الخدمات توفر الكثير من الجهد علينا، وهي لا تكلف البلدية كثيراً، فنحن لسنا بعيدين عن مناطق الخدمة في الحجر الأسود، فالكهرباء قريبة والهاتف ليس ببعيد والصرف الصحي لا يبعد أكثر من 200 متر، ولو أن البلدية تقوم بمد خط صرف صحي للحي وبتزفيت الشارع، وترسل آلية لنقل القمامة ولو مرة في الأسبوع، لارتحنا من عناء كثير، فنحن في النهاية مواطنون سوريون.. أما السيدة آمنة سالم فقد قالت: البلدية لا تقدم لنا أي نوع من أنواع الخدمات فأبسط الخدمات، وهي تأمين آلية لترحيل القمامة قد حجبوها عنا، مما يضطرني للسير أكثر من 1كم لرمي القمامة على طرف أحد الطرقات المتطرفة عن الحي، كما يسير أبنائي الثلاثة يومياَ حوالي 5كم من أجل الذهاب إلى المدرسة والإياب منها عبر طرقات موحلة شتاءَ ومغبرة صيفاَ، ويضطر زوجي للذهاب يومياَ على دراجته الهوائية مسافة 3كم من أجل تأمين بيدون من ماء للشرب.
رأي من بلديتين
في بلدية يلدا أكد المساعد الفني في البلدية أن التجمع السكني الواقع في منطقة حوش الريحانية هو تجمع يتبع إداريا للحجر الأسود، وعقارياً لبلدية يلدا، وأضاف هناك بعض البيوت التي لا تتجاوز العشرة في تلك المنطقة يتبعون إدارياً لبلدية يلدا، ولكن من المستحيل تخديمهم بسبب بعدهم الكبير عن البلدة، إضافة إلى أن سكان تلك البيوت لم يطلبوا من بلديتنا تخديمهم لأنهم يعلمون أن هناك استحالة في الموضوع.
أما رئيس مجلس مدينة الحجر الأسود فقد بين أن (حوش الريحانية) منطقة مخالفات تقع في حرم حماية خارج المخطط التنظيمي، ولكي يتم تخديمها فهي بحاجة إلى موافقة المحافظ لاعتمادها كمنطقة مخالفات والإيعاز بتخديمها. وأضاف: حتى لو قررنا وصل الحي بالصرف الصحي فإننا لن نتمكن من ذلك لأن منسوب منطقة حوش الريحانية أخفض من منسوب خط الصرف الصحي، لذلك فهي تحتاج إلى محطة ضخ لتخديم المنطقة ككل وضخ مياه صرفها ضمن خطوط الصرف الصحي لمدينة الحجر، وهذا الأمر يحتاج لموافقة المحافظ.
أما بالنسبة لتزويد المنطقة بمياه شبكة مؤسسة المياه، فالمؤسسة لا تخدم منطقة إذا لم تكن ملتصقة مباشرة بالشبكة، لأن تخديم حي مخالف بهذا الشكل بمياه الشبكة يحتاج إلى دراسة ومشروع خاص وموافقات ليست موجودة إلى الآن. أما بالنسبة للتعبيد والتزفيت فهو لا يصح إلا إذا أنجزت شبكة الصرف الصحي والهاتف والمياه، وأضاف: هناك مشكلة أخرى بالنسبة لموضوع الكهرباء، فبعد أن حصل سكان الحي على موافقات المحافظ وشركة كهرباء الريف لتزويدهم بالكهرباء، أقرت شركة كهرباء ريف دمشق مشروع تخديم المنطقة بالكهرباء وتزويدها بمحطة تحويل، وقد تم تأمين قطعة الأرض التي ستقع عليها المحطة، ولكن إلى الآن لم نتمكن من الحصول على تنازلات من أصحاب الأراضي للطريق الذي ستمر به شبكة الكهرباء، وكون المنطقة خارج المخطط، فستحصل معنا المشكلة نفسها بالنسبة لتنفيذ باقي الخدمات في حال قررنا تنفيذها..
وتابع رئيس مجلس المدينة: لقد رفعنا عدة كتب إلى الوزارة منذ وقت طويل من أجل توسيع المخطط التنظيمي، وحالياً تتم دراسة توسيعه في وزارة الإدارة المحلية، وحين تنتهي هذه الدراسة فسيلحظ حتماً هذا الحي على المخطط الجديد، وحينها ستقدم له كل الخدمات التي تقدم لباقي أحياء مدينة الحجر، علماً أن إمكانات مجلس مدينة الحجر قليلة جداً، فمخطط الحجر الأسود التنظيمي مساحته 2كم2 فقط ويقطن فيه أكثر بكثير من 250 ألف نسمة، وهو الرقم الذي يراسل به مجلس المدينة المحافظة.
وفي النهاية بيّن رئيس مجلس مدينة الحجر: في بعض الأحيان يتقدم الأهالي بطلبات لتأدية بعض الخدمات عن طريق كتاب إلى المحافظ الذي بدوره يرسل كتاباً إلى مجلس المدينة بوجوب تقديم الخدمة دون معرفة إمكانات مجلس المدينة ومقدرتها على تقديم تلك الخدمات؛ وهي في معظم الأحيان إمكانات غير متوفرة، فكيف سنقدم خدمات دون توفر الإمكانيات اللازمة؟
ختامها ليس مسكاً
وفي محافظة ريف دمشق أكد أمين سر المحافظة أنه لا جدوى من تقديم شكوى إلى المحافظ كون المنطقة غير مصنفة كمنطقة مخالفات، ووضع اللوم على الأهالي لأنهم بنوا بيوتهم في منطقة نائية خارج المخطط التنظيمي!!.
وفي النهاية إن سكان حي حوش الريحانية هم مواطنون سوريون يدفعون الضرائب ويستحقون الخدمات، أما عن بنائهم خارج المخطط التنظيمي، فاللوم يقع بالدرجة الأولى على الحكومة التي لم تتوسع في المخططات التنظيمية للمدن، وتركت الناس يبنون بشكل مخالف مقابل دفع رشاوى كبيرة فُرضت على كل من يرغب بالحصول على بيت من أجل أن تأوي إليه عائلته المعدمة.