كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيفنا لهذا العدد الرفيق القديم أسعد جرجي الخوري حنا.

الرفيق المحترم أبو ماجد نرحب بك ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟
بداية أشكر صحيفة قاسيون على إتاحة الفرصة للشيوعيين القدامى ليتحدثوا عن جزء غال من حياتهم، ولا أجانب الحقيقة إن قلت: بمثل هذا التراث الوطني الطبقي انطلق الحزب الشيوعي بين جماهير الشعب، بين العمال والفلاحين والمثقفين الوطنيين. وبالنسبة لي، فأنا واحد من الآلاف الذين تشرفوا بالعمل والنضال في صفوف الحزب.
ولدت عام 1934 في بلدة (صيدنايا) لأب يعمل دركياً وأم طيبة كل الطيبة هي زكية هلالة.
 نشأت في بيت (لا يتعاطى) العمل السياسي، وقد درست الابتدائية في بلدتي، ونلت  الإعدادية من مدرسة أسعد عبد الله بدمشق، وكان الطلاب حتى في الابتدائي يشاركون بالمظاهرات الوطنية بتوجيه من أهلهم، أما أنا فكنت لا أشارك وأكتفي بمتابعتها من بعيد، وأذكر أني تابعت مظاهرة في أواخر عام 1947 متجهة عبر ساحة النجمة نحو البرلمان، وشاهدت مجموعة منها تقتحم أحد الأبنية ثم تخرج لتلقي بالكتب إلى الطريق وتقوم بتمزيقها، وكنت مندهشا مما أرى!! واستطعت جمع بعض الكتب (وفيما بعد عرفت أن المظاهرة قامت بدفع من الرجعية، وبعد مهاجمتها لمكتب أصدقاء الاتحاد السوفييتي داهمت مكتب الحزب في حي المزرعة وقتلت الرفيق حسين عاقو وجرحت الكثيرين)، وبدأت أقرأ هذه الكتب، ومرة شاهدني أخي نقولا وسألني عنها، فأخبرته بما حدث، فقال إنها (كتب ممنوعة) فاحذر أن يراها أحد معك! لكنني تابعت قراءتها، فقد أعجبتني، فهي تتحدث بالتفصيل عن الاتحاد السوفييتي، وكذلك كتب لجميل صليبا وكامل عياد وجورج حنا، تحمل فكراً سليماً يسعى لخير الناس وسعادتهم، وكان قريبي الرفيق جريس الهامس يعرض علي ّمطبوعات شيوعية فأرفضها، ثم أخذت أقرأ كل ما يقدمه لي، وهكذا صرت شيوعياً ضمن فرقة من أعضائها: جريس وإلياس عبد المسيح التلي، واعتقلت لأول مرة عام 1949 مع عدد من الرفاق حين كنا نخرج من اجتماع انتخابي للمرشح الرفيق نصوح الغفري، كذلك اعتقلت خلال مهرجان السلام الذي أقيم في مقهى الرشيد عام 1950، وبقيت أسبوعاً، كما اعتقلت مع ثلاثة رفاق هم: عبد الغني عرفات ولطفي آله رشي وإبراهيم ديوانة في مظاهرة بمناسبة 7 أكتوبر، وفي السجن التقيت برفاق من المعتقلين منذ مهرجان السلام، وحين مثلت أمام القاضي،  قال لي متهكما: لا شك أنك كنت سائراً في الطريق، فوجدت أناسا يهتفون فاقتربت منهم وأخذت تردد معهم ما يقولون!! فقلت: هذا ما جرى بالفعل ولعلك كنت بينهم!! فقال اصمت، أنا لا أصدقك، ولن أدعك حتى تخبرني عن جميع الذين كانوا معكم، فأنتم تشكلون خطراً على سلامة الدولة، فأجبته أنا طالب مدرسة، فكيف أشكل خطرا على الدولة؟ أنا لا عرف أحدا منهم!، فقال: خذوه إلى السجن! وبعد إطلاق سراحي، ذهبت لأسجل في الثانوية، فقيل لي إنه لا مكان لديهم وقد انتهى التسجيل!!
أبلغت مسؤولي الحزبي الرفيق أبو فهد (خليل حريري) بالأمر فقال لا بأس!! نريدك أن تتفرغ للعمل في الحزب، وهكذا تفرغت من يومها.
شاركت مع الرفيقين محمد سرية وعوض سعادة ورفاق قدامى بقيادة منظمة صيدنايا، ومن ذكرياتي الكثيرة ما حدث في 8 أيلول عام 1950 بعد صدور نداء منع الأسلحة الذرية، حيث قمنا بتشكيل مجموعات لجمع التواقيع، وبدأنا في وقت صادف فيه العيد الشعبي في صيدنايا بحضور مئات الزوار من كل أنحاء سورية ولبنان. وقد اعتقل الدرك الرفيقين عبد الله التلي ومحمد سرية، فطلب المسؤول الحزبي الرفيق جوزيف نمر أن نوقف جمع التواقيع ريثما نعرف مصير المعتقلين، فقلت لا يجوز التوقف ولو أدى الأمر لصدام (رغم أني لا أتوقع الصدام لوجود جمهور كبير من الزوار والمحتفلين)، وبالفعل تابعنا العمل، وفي الوقت نفسه حشدنا عدداً من الرفاق واتجهنا إلى المخفر وواجهنا رئيس المخفر الرقيب شوقي باير «أبو رسمي» المعروف بشراسته مطالبين بإطلاق الرفيقين، فهما لم يرتكبا ما يحاسبان عليه. وبعد أخذ ورد  قال إن الأمر بيد الملازم أول هايل جرمقاني فقابلناه، وقلت له إن الرفيقين كانا يمارسان عملا مشروعا، وقد وقع على النداء العديد من الشخصيات المعروفة، فلماذا لا تعتقلونهم؟!! ثم حضر المقدم أحمد نادر، وهو أحد قادة الدرك، واستمع لما يجري، وبدوره لم يستجب في بادئ الأمر، وبعد جدال شديد تراجع عن معاندته، وقال: قل لرفاقك المتجمهرين أمام المخفر أن يذهبوا، وبعدها سنطلق سراح الموقوفين، فلم نقبل وقلنا: لا نذهب إلا مع الموقوفين، وكان لنا ما أردنا، وخرج الرفيقان، وحملناهما على الأكتاف من باب المخفر بعراضة حافلة، وكان ذلك اليوم واحدا من أيام نضال حافلة لا تنسى.. أعوام وأعوام حلوة ومرة.... و(طال الحديث).
وأخيرا، رغم الألم الشديد من واقع الانقسامات، أقول وبكل ثقة: ستبقى المبدئية والسلوك الجيد والجرأة والتواضع واليد النظيفة، وطبعاً الوطنية والالتزام الطبقي ذخرا للشيوعيين، وبين من يحملون هذه الصفات يمكن، بل تتوفر الظروف لوحدة الشيوعيين السوريين، فلنعمل جميعنا في سبيل تحقيق ذلك.