كيف وقد اعترف الفريق الاقتصادي بخرق الدستور؟!
نشرت «قاسيون» في العدد 372 مقالاً قيّماً نقلاً عن زميلتها «نضال الفلاحين» يتضمن ردوداً محكمةً على أقوال لا تقل تاريخيةً عن سابقاتها للنائب الاقتصادي «عبد الله الدردري» يقول من جملة ما يقوله فيها: «إن سياستنا الاقتصادية تعتمد اقتصاد السوق، ولا يوجد اقتصاد اجتماعي...».
ولست هنا بصدد نقاش ما إذا كانت السياسات المتبعة حالياً ناجعة ومفيدة أم لا، ولست بصدد نقاش ما إذا كانت أفضل من سابقتها أم لا، فقد شرح وشرَّح المقال المذكور أعلاه هذا الأمر. وكذلك لن أدخل في جدل فكري بهدف الدفاع عن الاشتراكية والماركسية أو نقد الرأسمالية واقتصاد السوق المفتوح.
وكذلك سأضرب صفحاً عن مسألة ما يحتويه هذا القول من تجاهل لمشاعر شعبنا واستخفاف به لجهة الإمعان في الكذب عليه لسنوات حول مشروع الاقتصاد الاجتماعي، ولجهة أن هذا الفريق الاقتصادي وعلى ألسنة العديد من رموزه كان قد برّر بطء خطوات الانفتاح والتطور الاقتصادي بعدم استيعاب شرائح الشعب «الجاهل» لمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي، فإذا نحن نفاجئ بإنكار هذا المشروع من مسوقيه أنفسهم، واعتبار تسميته بالاقتصاد الاجتماعي مجرد تسمية جوفاء.
ولكن ما سأقوله للفريق الاقتصادي: إذا طالعتم دستور الجمهورية العربية السورية (أي دستور بلدنا إذا كنتم قد نسيتم)، فستجدون أن أول فقرة من المادة (13) فيه، وهي أول مادة من مواد الفصل الثاني المتعلق بالمبادئ الاقتصادية، تقول حرفياً:
«الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال».
وأظن أنكم تعلمون أن الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، فهو ينظم كيفية بناء السلطة، وكيفية ممارستها، وعلاقة أجهزتها بعضها ببعض، ويبين الأسس السياسية والفلسفية التي تنتهجها هذه السلطة في حكمها للبلاد.
وفوق ذلك، هو أيضاً أعلى من أي قانون أو مرسوم أو تشريع أو قرار سواه، وهو لا يعدل إلا وفق أسس محددة، وباتباع إجراءات صارمة، لأنه في الأصل عقدٌ متفق عليه ولا يجوز انتهاكه.
ولن ندخل هنا في تفاصيل السمو الموضوعي والشكلي للدستور، وفي نظرية العقد الاجتماعي وفي صعوبة الإجراءات واجبة الاتباع لتغييره، ذلك أن ما قلناه كاف لبيان خطورة انتهاك الدستور أو اتباع سياسات وبرامج تتناقض معه.
حتى وقت قريب، كنا نعلم – أيها الفريق الاقتصادي - أن سياساتكم مخالفة للدستور، وأن ما تمارسونه من إفقار للشعب وسحق لبقايا الشرائح المتوسطة وللطبقة الفقيرة، ومن إمعان في تدمير القطاع العام وتخسيره ثم خصخصته بحجة أنه خاسر، هو عدوان سافر على روحية الدستور القائم في البلاد، وكنا نلاحظ أن خطوات مركزة الثروة وتجميعها بشكل تدريجي، ما هي إلا تدعيم للاستغلال بدل العمل على القضاء عليه كما يتطلب الدستور.
وكنا نعلم أن كلمة الاجتماعي التي ألحقتموها بمصطلح اقتصاد السوق كانت غطاء سخيفاً للتراجع عن البرامج الاشتراكية، والانخراط في دوامة السوق العالمية التي لا يمكن إلا أن نكون عبيداً فيها في ظل المعادلات القائمة، كما أنها غطاء للتراجع عن كل مقومات الاستقلال الاقتصادي تمهيداً لربط البلاد نهائياً بمكنة العولمة الاقتصادية، وأما ادعاءاتكم الوهمية وتصريحاتكم الخلبية حول دعم «الطبقة» الوسطى (الآيلة إلى الزوال) والطبقة الفقيرة (التي تتسع بسرعة جنونية)، فكنا ندرك أنها محض ذرٍ للرماد في العيون.
كنا نعلم كل ذلك.. ولكن الجديد اليوم هو اعترافكم يا حضرة النائب الاقتصادي بأن خطتكم تعتمد اقتصاد السوق فقط، أي أنها خطة رأسمالية بامتياز، ولكنها رأسمالية يطبقها ويتبناها الطرف السلبي من المعادلة، الطرف الخاضع للاستغلال. بمعنى أنك صاحب نظرية جديدة تقتضي تحويل بلد بكامله إلى ضحية لاستغلال الرأسمالية العالمية، في الوقت الذي ينص فيه دستور هذا البلد على أن الاقتصاد يجب أن يكون اشتراكياً.
لست بصدد الدفاع عن مضامين الدستور أو عن النهج الذي يتبناه في كيفية إدارة البلاد، لكنني أقول إنه لا يزال دستورنا، ومازلتم خاضعين له، وبما أن الحكومة الحالية تتبنى برنامجكم الخارج علناً على مبادئ الدستور، فيمكن القول إذاً إن برنامجها الاقتصادي برنامج لا دستوري دون جدال.
أخيراً أقول للفريق الاقتصادي وللحكومة كلها، ولمجلس الشعب المؤتمن دستورياً على مصالح الشعب، ولكل القيمين على صيانة الدستور: لقد كان مشروع الحكومة الاقتصادي غير عادل وغير بنَّاء وغير دستوري ولا يزال، واليوم يعترف أصحابه بعدم دستوريته علناً، فهل هناك من يسمع؟