الوكالات البحرية الخاصة حفنة من السماسرة تغتني على حساب خزينة الدولة
مدير الجمارك يقول: «الفساد يعشش في مفاصل الجمارك»، ومدير المناطق الحرة يقول: «إذا كان لديَّ 10 موظفين، فإن 9.5 منهم فاسدون!!»، أما مدراء المرافئ فيتحدثون عن الفساد و البيروقراطية والروتين، وعن (تطفيش) المستوردين إلى المرافئ المجاورة.
أمام هذا العجز الفاضح عن محاربة الفساد، وعن تحقيق الإصلاح إداري، صدر المرسوم /55/ لعام 2002 القاضي بالسماح للوكالات البحرية الخاصة بالعمل في المرافئ. وقد هدف المرسوم كما جاء في نصه إلى ما يلي:
-استقدام خطوط ملاحية جديدة.
-تفعيل حركتي الاستيراد والتصدير.
-امتصاص البطالة الموجودة.
-زيادة الواردات إلى خزينة الدولة
-السهولة والمرونة في العمل والتخلص من الروتين
هذا فضلاً عن جملة أخرى من الأهداف.
ولكن ماذا حصل بعد مرور خمس سنوات على صدور المرسوم؟ أجابتنا نقابة النقل البحري والجوي على هذا السؤال بالشكل التالي:
كان القصد من المرسوم استقدام خطوط ملاحية جديدة، ولكن الذي حصل فعلاً بعد سنوات من صدوره كان عكس ذلك تماماً، حيث تم سحب الخطوط الملاحية التي كانت بتوكيل شركة التوكيلات الملاحية العامة دون تسليمها أي خط ملاحي جديد.
ولم يجر تفعيل حركتي الاستيراد والتصدير كما كان منتظراً من المرسوم، بل الذي حصل هو العكس تماماً. فلم يتم تصدير أو استيراد أية مواد جديدة كالحمضيات والزيوت وغيرها، بل زادت تكلفة البضائع المستوردة للسوق السورية بزيادة رسوم البضائع، ومن الأمثلة المهمة على ذلك:
كانت شركة التوكيلات الملاحية تستوفي رسم تجريم أكبر سيارة بما لا يزيد عن /200 ل.س/، وحالياً فإن أقل رسم تستوفيه الوكالات الخاصة لأصغر سيارة يصل إلى /100 دولار/. وقامت الوكالات الخاصة برفع معدلات رسوم غرامات التأخير في تفريغ الحاويات مما أدى إلى استنزاف القطع الأجنبي من الداخل إلى الخارج.
وحول امتصاص البطالة فهناك حوالي 600 كاتب تعداد تم صرفهم من العمل، أي أن هذا الإجراء أضرَّ بمصالح 600 عائلة كانت تعتمد على هذا المصدر، وهناك الآن 554 عاملاً في طريقهم إلى التسريح، لأن هناك تفكيراً ينصب على إلغاء العمولة التي تتقاضاها شركة التوكيلات، وهذا سيؤدي لإفلاس هذه الشركة الإستراتيجية الهامة. كل هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة المقنعة بين عدد كبير من العاملين في شركة التوكيلات الملاحية لانخفاض حجم العمل، مما انعكس سلباً على معيشة العاملين بالشركة، وأدى إلى تسرب العديد من العمال من ذوي الخبرات الجيدة إلى الخارج.
وجاء في المرسوم أن الواردات إلى خزينة الدولة سوف تزيد، ولكن ماذا حصل على ارض الواقع؟
في العام 2001 كان حجم البضائع الواردة إلى المرافئ بحدود 5.7 مليون طن، بلغت أرباح شركة التوكيلات منها 157 مليون ل.س، وفي العام 2002 ارتفع الوارد إلى المرافئ إلى 8.473 مليون طن حققت منها التوكيلات ربحاً قدره 648.6 مليون ل.س، وفي العام 2006 أي بعد دخول الوكالات الخاصة ارتفع حجم البضائع الواردة إلى المرفأ إلى 12.7 مليون طن، إلا أن ربح التوكيلات منها لم يتجاوز 197.6 مليون ل.س....هنا تظهر بوضوح الخسارة التي تكبدتها الدولة من أجل حفنة من السماسرة.
وبالإضافة لذلك فإن الوكالات الخاصة لم تقدم إلى حزينة الدولة سوى أربعة ملايين ليرة كضريبة دخل، رغم أن أرباحها قد قدرت بمليار ل.س، في حين حولت شركة التوكيلات العامة من ربحها البالغ 203 مليون ل.س مبلغ 69 مليون ل.س إلى خزينة الدولة كضريبة دخل في العام نفسه.
شركة التوكيلات الملاحية الآن تواجه الإفلاس، فإيراداتها تنخفض عاماً بعد عام، حتى وصلت في عام 2006 إلى 1.441 مليون دولار، وهذا يعني أنها خسرت 10 مليون دولار.
القيادات النقابية تقترح إعادة النظر في التعليمات التنفيذية للمرسوم، بما ينسجم مع نتائجه، بعد دخوله حيز التطبيق الفعلي لمدة تزيد عن أربع سنوات، وإلزام نقل بضائع القطاع العام المصدرة عن طريق شركة التوكيلات فقط، وإعادة النظر بالإرباح التي تدخل إلى جيوب الوكلاء الذين كان عددهم في البداية لا يتجاوز خمسة وكلاء، وأصبح الآن يتجاوز الستين وكيلاً.
السؤال هنا: من استفاد من إدخال الوكالات الخاصة إلى قطاع النقل البحري؟ هل تطور العمل جراء ذلك؟ هل قضي على الفساد؟ هل زادت مداخيل الخزينة؟
الواقع يجيب بالنفي!!
والسؤال أيضاً: هل اجتثاث الفساد والروتين والبيروقراطية وفق أسس منهجية تشارك فيها جميع قوى الحراك السياسي عملية معقدة وصعبة؟
وهل تم اجتثاث الفساد بعد دخول 60 وكالة بحرية خاصة؟
لا نجد جواباً!!