كيف أصبحت شيوعياً؟
على ضفاف الخابور، وفي بلدة تل تمر، التقت قاسيون الرفيق يوخنا يوخنا ( الشماس).. وهو أحد الشيوعيين القدامى..
الرفيق المحترم يوخنا حبذا لو تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً..
«أنا من مواليد 1951، من قرية تل جمعة، درست الابتدائية في قريتي، وأكملت الإعدادية والثانوية في الحسكة، وأثناء دراستي تعرفت على الحزب.. في ذلك الوقت كان هناك مد شيوعي، وكنا أكثرية في المدارس، وكانت مواقفنا جريئة وصارخة حيث كنا نرد أي هجوم على الحزب، على المنابر كنا طرفاً والآخرون كلهم طرفاً، وأنا بطبيعتي أحب المواد العلمية وكنت متفوقا بالرياضيات والفيزياء والكيمياء إلى جانب ضعفي الشديد باللغة العربية، وقد اطلعت على مبادئ الحزب بدقة، وأتعبت نفسي بدراسة الاقتصاد السياسي والمادية الديالكتيكية، ونتيجة دراستي العميقة لها خطوة خطوة مثل أي نظرية رياضية، أيقنت أن تقدم المجتمع البشري محكوم بهذا الطريق، وأن التنظيم يجب أن يكون حديدياً، وكانت الطاعة الحزبية والالتزام بالمواعيد من أقدس الأقداس عندي، حتى أن الرفاق كانوا يسمونني الضابط .
وكانت فكرتي مثل كثير من الرفاق أن انتصار الاشتراكية على مستوى العالم خلال سنوات تعد على الأصابع. ورغم أن انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية شكل نكسة ليست قليلة بالنسبة للحركة الشيوعية، إلا أنني مازلت مؤمناً بانتصار الاشتراكية فلكل حصان كبوة، وهذه التجربة الغنية رغم انكسارها إلا أنها كانت تجربة تاريخية عظمى مشت على وتيرة سريعة وغيرت وجه المجتمع البشري ككل .
وعندما بدأت الانقسامات داخل الحزب، والتي كان أسوأ ما فيها هو تعامل الرفاق بمبدأ الفعل ورد الفعل، فوجئت لأنني أعتقد تنظيمياً أنه يجب حل الخلافات أياً كان نوعها داخل الهيئات حتى إذا وصل الخلاف لدرجة التضارب تبقى علاقتنا جيدة في خارج الهيئة ونحتكم للنظام الداخلي حيث الأقلية تخضع للأكثرية حتى إن كانت الأكثرية على خطأ وقرارات الهيئة العليا ملزمة للهيئات الدنيا، ويجب أن تنفذ. ولذلك لم أؤمن يوماً بكلمة انقسام . لا يوجد انقسام بين الشيوعيين رغم وجود أكثر من تنظيم فالانقسام بالتنظيمات لا يعني انقسام الشيوعيين لأن الماركسية واحدة والهدف واحد ولا أشك بوطنية أي شيوعي بأي تيار كان مادام ملتزما بالموقف الطبقي وبالماركسية كمرجعية فكرية. ولذلك فمن الضرورة ليس فقط توحيد الشيوعيين وإنما توحيد الحركة الوطنية كلها في سورية، وهذا ممكن الآن .
وقد كان لموقف بعض الشيوعيين من الدين أثره السلبي فقد وقف حجر عثرة أمام جذب الكثير إلى صفوفنا، وكان لي موقف خاص من هذا الأمر، إذ أنني كنت أساير رجال الدين وأجالسهم وأناقشهم بأسلوب مرن، بحيث أتمكن من استيعابهم. حتى أنني نتيجة قناعتي واطلاعي صرت (أفكر) مثل المتدينين (في أي لحظة أموت مصيري الجنة)، فتضحيتي مهما كانت، ليست مهمة أمام ما أناضل من أجله، ولذلك سخّرت كل وقتي على حساب دراستي ومستقبلي للعمل الحزبي، أخذت البكالوريا ولم يقبلوني في معهد الصف الخاص والجامعة لم تكن باستطاعتي آنذاك، وحالياً أعمل فلاحاً، أخرج معهم، وأحياناً عندما لا أتفاهم معهم أفكر وأطرح على نفسي سؤالاً بيني وبين نفسي: هل أنت نادم؟ وأجيب: لا، لستُ نادماً رغم كل ما حصل، أنا أدين للحزب بدين كبير، الحزب وجهني وصقلني ووضعني بالطريق الصحيح من كل النواحي: (السلوك الاجتماعي الناجح والعلاقات الاجتماعية وأسلوب الكلام الجيد مع الآخرين والكثير غيرها)، ومهما فعلت فلن أوفيه ما قدمه لي.
شكرا لكم ولاهتمامكم».