ارتجالية التعليم.. والمناطق النائية
عند صدور القرارات التي أغلقت بموجبها معظم المعاهد المتوسطة في القطر، وخاصة تلك التي تخرج المدرسين المساعدين ومعلمي الصف، أوهمنا مصدرو هذه القرارات أنه قد أصبح عندنا فائضاً من المعلمين، ولم نعد بحاجة لتخريج المزيد منهم، لكننا بعد موسم أو موسمين دراسيين اكتشفنا أن المستور أعظم مما كنا نحسب، وما كان يُخطط له أعمق بكثير من توقعاتنا، ووجدنا أنفسنا أمام مشكلة كبيرة، لتكتشف سريعاً أننا عدنا نتيجة هذه القرارات خطوات واسعة إلى الوراء.. إلى الأيام التي كان التعليم فيها حكراً على الأغنياء وأبناء الذوات فقط، أما من لا يملك فهو وأولاده إلى جهنم وبئس المصير..
هكذا هي الأحوال اليوم بكل أسف، وبعودة إلى تلك القرارات، فإننا نؤكد أن نتائجها كانت سلبية جداً على العملية التعليمية، وخاصة في المناطق المتخلفة تعليمياً.
في هذا السياق تم في مدينة البوكمال منذ عدة أيام تعيين /120/ معلم صف /70/ في مدارس المدينة، و/50/ في ناحية «هجين»، وهؤلاء من حملة شهادة كلية التربية، ونتيجة لذلك فقد تم فك عمل عدد موازٍ من الوكلاء والوكيلات، وهذه الحالة تتكرر في كل عام، رغم أن قسماً كبيراً من هؤلاء الوكلاء قد بلغت أيام خدمته في التعليم أكثر من /1500/ يوم فعلي، وهذا سيزيد في عدد الواقفين في طابور العاطلين عن العمل، ويزيد الطينة بلة..
لقد كان من الأجدى لسد النقص الحاصل في المناطق النامية تعليمياً باعتراف الجهات الوصائية العليا أن تفتح المعاهد المتوسطة ومعهد تأهيل المعلمين (الصف الخاص) لاستقبال الطلاب من المحافظات النامية تعليمياً حصراً، أو إخضاع الوكلاء الذين بلغت خدمتهم أكثر من /1500/ يوم لدورات تدريبيه أسوة بزملائهم المعلمين وبالشروط والميزات نفسها.
إن تعيين معلمين من خارج المحافظة له سلبيات كثيرة على العملية التعليمية في المناطق النائية، وبالتالي على المستوى التعليمي بالنسبة للتلاميذ فيها، فهؤلاء الآتون من محافظات بعيدة، وكما هي العادة دائماً، سيقضون أيام دوامهم أو معظمها في بيوتهم، إما بحصولهم على إجازات صحية، أو عادية، أو حتى بالغياب المقصود، وذلك لبعد أماكن إقامتهم عن الأماكن التي عينوا بها، ناهيك عن أن بعضهم تتم تغطية عدم انتظام دوامه من بعض المتنفذين والمسؤولين سواءً كانوا مدراء مدراس أو موجهين تربويين أو سواهم..
كل ذلك يحدث بسبب كون العملية التعليمية ليست خارج حلقة الفساد الذي ينخر البلاد، فهل تأخذ وزارة التربية ذلك بعين الاعتبار أم يبقى التعليم في البوكمال وبقية المناطق النائية ارتجالياً، وشكلياً فقط؟.
