سياسة فرض الأمر الواقع.. ثروتنا الوطنية.. «الأسمنت» بأيد غريبة
وجّه الاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العربية السورية بتاريخ 28/1/2008 مذكرة من ثلاث نسخ واحدة إلى رئاسة الجمهورية برقم 460/7 وأخرى إلى القيادة القطرية برقم 138/ص وثالثة إلى رئيس مجلس الوزراء برقم 459/7، نقتطف من المذكرة بعض النقاط:
ـ تعاني شركات المؤسسة العامة للأسمنت من قصور الطاقات الإنتاجية في تلبية حجم الطلب المتزايد على الأسمنت، ناجمة بشكل أساسي عن عدم تأمين السيولة اللازمة لتطوير خطوط الإنتاج، بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية فيها، وسبب نقص السيولة هو الإجراءات المالية المتبعة والتي تقضي بترحيل الفوائض الاقتصادية لشركات الأسمنت، كما شركات القطاع العام الأخرى، إلى خزينة الدولة، على وعد لم يتحقق بتخصيص هذه الشركات بالتمويل اللازم لتلبية حاجاتها لتطوير خطوطها وتأمين حاجة السوق المحلية من الأسمنت. ونؤكد أن إصلاح الخط الإنتاجي الجديد في حماة قد حدّ من هذا القصور نسبياً، ويمكن بالقياس مع ذلك تلافي هذا القصور وزيادة الكميات المنتجة.
إلا أن وزارة الصناعة وجهت إدارة شركة أسمنت طرطوس لدراسة مشروع مذكرة تفاهم مع شركة غيث فرعون للاستثمار التجاري، وتقضي هذه المذكرة بأن تقوم شركة فرعون بمهام الإدارة الإنتاجية والحصول على الكميات المنتجة الإضافية مقابل أن تتعهد بتطوير خطوط الإنتاج وتحسين جودة المنتج وتدريب بعض الفنيين والعمال وتحسين الشروط البيئية المحيطة. وتقدم شركة أسمنت طرطوس العمالة «الضرورية» مدفوعة الأجر والبدلات، وتقدم الآلات وقطع الغيار والمعدات اللازمة، بناء على طلب شركة فرعون، دون تحديد مصير باقي العمالة القائمة حالياً.
■ جاء في متن المذكرة بالنسبة للجانب القانوني:
1 ـ لا يوجد في القانون رقم 51 لعام 2004، أية مادة صريحة تجيز تأهيل وتطوير أي من شركات القطاع العام من قبل الغير، لذلك فإن القانون المذكور لا يجيز التصديق على هذه المذكرة.
2 ـ جرى إعداد مذكرة التفاهم في غياب السند القانوني الكافي، وقد جرى بطريقة العقد بالتراضي مسنوداً إلى القانون 51 لعام 2004، ولكن الحقيقة أن ما نص عليه القانون المذكور من شروط العقد بالتراضي لا تنطبق على الحالة المعروضة، وبالتالي يفقدها مشروعيتها.
3 ـ لم تقم الشركة أو المؤسسة بالإعلان أو وضع دفتر شروط فنية لاستقدام عروض فنية للاستثمار أو للتطوير، بل قدم المستثمر عرضاً إلى الجهات المعنية، وإلى إدارة الشركة مباشرة. (وهذا تجاوز للقانون).
■ جاء في الجوانب الاقتصادية والمالية:
2 ـ نصت المذكرة على أن تقوم شركة أسمنت طرطوس بتسديد قيمة مستلزمات الإنتاج كاملة، ومن ثم يتم استرداد قيمة الأسمنت المسلم لمجموعة فرعون بسعر التكلفة، وهذا ما سيحمّل شركة اسمنت طرطوس عبء تأمين رأس المال الكافي لتسديد قيمة المستلزمات لإنتاج 2150000 طن، (أي أنها هي ستؤمن زيادة الإنتاج من 1450000 طن إلى 2150000 طن، وستستلم من المستثمر فقط 1450000 طن، أي الكمية التي كانت تنتجها قبل العقد) أي دون أي ربح مقابله، بينما ستبلغ قيمة أرباح المستثمر خلال سنوات العقد الثلاث 4.074 مليار ل.س، وقد نصت مذكرة التفاهم على حق الفريق الثاني استلام حصته والتصرف بها بالشكل والطريقة والسعر المناسب له.
3 ـ تعتبر شركة أسمنت طرطوس من الشركات الرابحة، وهي بإمكاناتها الذاتية، فيما لو احتفظت بفوائضها الاقتصادية، قادرة على تطوير خطوط الإنتاج، وبالتالي زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية، دون الاضطرار للجوء إلى المستثمرين من القطاع الخاص المحليين أو من الخارج. ويعتبر الشرط المالي وتوفير السيولة شرطاً لازماً وغير كاف، حيث أن الكفاية سوف تتحقق من خلال إعطاء إدارة المؤسسة وشركات الأسمنت، المرونة الكافية لإبرام العقود ضمن أطر قانونية تحافظ على المال العام، لتوريد ما يلزم من الآلات والأدوات والمعدات اللازمة لتطوير خطوط الإنتاج.
■ جاء في الجوانب الفنية والإدارية:
يتسلم الفريق الثاني الإشراف على إدارة الإنتاج والإدارة الفنية والتأمينية، وهذا يلغي أي دور للشركة، بينما يحمّلها كافة التكاليف الإنتاجية والتأمينية، بما فيها تأمين القطع التبديلية. فما الفائدة التي ستجنيها الشركة إذا كانت ستؤمن كل المستلزمات اللازمة لزيادة الإنتاج من الإنتاج الحالي البالغ 1450000طن، إلى 2150000طن، والكمية التي ستستلمها من المستثمر هي الكمية نفسها التي كانت تنتجها الشركة قبل العقد، أي 1450000 طن والزيادة في الإنتاج ستعود لمصلحة المستثمر، الذي له الحرية بالتصرف بحصته بالطريقة التي يرتئيها؟!
وجاء في نهاية المذكرة: لقد أكدت توجيهات رئيس الجمهورية دائماً على إصلاح القطاع العام وتطويره وتمكينه من العمل بكفاءة اقتصادية، والحفاظ على وظائفه الاجتماعية، وتفعيل دوره ومعالجة صعوباته، ومن هذا المنطلق فإن الاتحاد العام لنقابات العمال يوصي بإلغاء مذكرة التفاهم، وتمكين إدارة مؤسسة الأسمنت وشركاتها، من أجل تطوير خطوط الإنتاج وزيادتها، حسب الإمكانيات المتاحة.
وراء ظهرهم كل ما تقولون
كل هذه التوضيحات القانونية والفنية، وانعدام الجدوى الاقتصادية من طرح شركة أسمنت طرطوس للاستثمار، لم يردع اللجنة الاقتصادية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، والتي تأخذ تعليماتها وتوجيهاتها من ممثلي الليبرالية في الحكومة، من المضي قدماً في التنازل عن أملاك الشعب، خدمة للمستثمرين الغرباء، الذين تجمعهم بهم مصالح خاصة، تفضحها التجاوزات القانونية الكبيرة، وتمرير العقود من تحت الطاولة، فلم تقم الشركة بإعداد دفتر شروط فنية محدد بناء على استشارات فنية مسبقة، ولم تقم بالإعلان لاستقدام عروض فنية لإجراء عمليات التطوير.
بل استندوا إلى خروقات قانونية لم يحاسبهم عليها أحد. فقد جاء في نص العقد:
الفريق الأول: شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء. شركة عامة محدثة بالمرسوم رقم 434 تاريخ 23/6/ 1977، والمتخذة عنواناً لها...
الفريق الثاني: شركة مجموعة فرعون للاستثمار التجاري، المحدودة المسؤولية، مركزها الرئيسي جدة ـ المملكة العربية السعودية، يمثلها رئيس مجلس الإدارة الدكتور غيث رشاد فرعون.
المقدمة: حيث أن الفريق الأول «يملك» ويدير شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء، يرغب في تحديث وتطوير وإعادة تأهيل وتحسين الأداء الإنتاجي.....
هذا خرق آخر للدستور، وتجاوز كبير فوق كل القوانين، فهم لا يملكون ما يملكه الشعب، ولا يجوز لهم التصرف به وتسليمه للغرباء، كما أشار البند الثاني من العقد «تعاريف» حيث عرف «الفريق الأول: هو المالك وهو المشار إليه في هذا العقد بشركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء، أو «من تنتقل إليه ملكيتها»، أو «من يحل محلها». فالفريق الأول يشرف ويدير شركة طرطوس لصناعة الأسمنت ومواد البناء، حسب المادة 14 من الدستور التي تنص وتشدد على «ملكية الشعب للثروات الباطنية والمرافق والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة، وتقوم الدولة بموجب هذه المادة باستثمار هذه الشركات بنفسها، والإشراف على إدارتها، لصالح مجموع الشعب».
وحبّة سكّر..للمدلل
ورغم تحفظ ممثلي العمال في اللجنة الإدارية، في شركة اسمنت طرطوس، على التعاقد مع مجموعة فرعون للاستثمار التجاري، لأسباب كثيرة، منها وضوح الخسارة الكبيرة التي ستصيب الشركة وعمالها، واستناداً إلى مقررات المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد العام للعمال، وخاصة الفقرة /8/ في مجال الشؤون التنظيمية التي تؤكد على «التمسك بقواعد العمل الديمقراطي ضمن المنظمة النقابية، ومناقشة الخطط وبرامج العمل وإقرارها وتوزيع المهام ومتابعة تنفيذها بروح العمل المؤسساتي والقرار الديمقراطي»، وكذلك الفقرة /4/ في مجال الشؤون الاقتصادية، التي تؤكد على «ضرورة إصدار قانون إصلاح القطاع العام الصناعي، والعمل على زيادة حجم الاستثمارات في القطاع العام، ليبقى الذراع القوية بيد الدولة، في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي»، ولكن اللاهثين وراء ركب العولمة والليبرالية ونهج الخصخصة، تصرفوا بملك الشعب، وأصبح استثمار شركة أسمنت طرطوس أمراً واقعاً، بعد أن قدموا الكثير من التنازلات والخدمات المجانية، ومن أهمها:
ـ تم تركيب مرسبات كهربائية في الشركة، وعلى حسابها، وسيستفيد منها المستثمر، أدت إلى تخفيض نسبة انبعاث الغبار بشكل كبير.
ـ تم استيراد مجموعة فلاتر من أجل تحسين الوضع البيئي، وتركيبها على حساب الشركة، ولم يوافق الفريق الثاني على دفع ثمنها.
ـ تم النص في المذكرة على أنه في حال حدوث نقص في الإنتاج في نهاية كل سنة، عن الكميات المضمونة، والبالغة 1450000 طن (وهي الكمية المنتجة حالياً، وهي حصة الشركة من العقد) يلتزم الفريق الثاني بتأمين النقص بعد أن يقوم الفريق الأول (أي شركة أسمنت طرطوس) بتسديد قيمتها للفريق الثاني بسعر يعادل التكلفة الإنتاجية، (ولكن من المنطق القانوني أن يلتزم المستثمر بتأمين النقص دون أية تعويضات مقابلة).
ـ ورد في العقد أكثر من مرة، بنوداً مطاطة غير محددة، وقابلة للتأويل سلباً وإيجاباً، ولم يتم البت بها وتحديدها بحسابات قانونية دقيقة، مثل:
ـ يلتزم الفريق الثاني وخلال مدة نفاذ العقد بتقديم «ما يلزم» من تجهيزات فنية ومعدات حسب خطة التطوير الموضوعة.
ـ يلتزم الفريق الثاني بتقديم «ما يلزم» من تجهيزات فنية لازمة لعملية تحسين البيئة، بما فيها أجور وتكاليف وسائل ومعدات التركيب.
ـ العمل على «إصلاح» جهاز التحليل المخبري «وفي حال تعذر الإصلاح» يلتزم الفريق الثاني بشراء جهاز آخر جديد بدلاً عنه.
ـ يلتزم الفريق الثاني بالكشف الكامل عن الدارات والمعدات والتجهيزات «واستبدال الأجزاء المعطلة» ويلتزم «الفريق الأول» بتقديم ما يلزم من قطع تبديل وغيار وقطع استهلاكية.
ـ يلتزم الفريق الثاني باستبدال «أو تعديل» المحركات والآلات والمعدات التي «يرى ضرورة» لاستبدالها أو تعديلها.
وتنازلات بالجملة
مقابل هذه الالتزامات (المطاطة) للفريق الثاني المستثمر التزم الفريق الأول بشروط صارمة منها:
ـ تمكين الفريق الثاني من استلام مهامه في موقع العمل ومساعدته على تسهيل دخول وإقامة عمل خبرائه وعناصره ومتعاقديه الثانويين. وتأمين أراض لذلك وبدون تعويض.
ـ تأمين مساحة كافية وملائمة من أراضي الشركة، لإقامة ساحة التجانس للمواد الأولية.
ـ تمكين الفريق الثاني، في أي وقت من استعمال كل التجهيزات والآلات والعدد المتاحة، والمستلزمات الاستهلاكية وقطع التبديل والمواد الأولية والنهائية.
ـ يتحمل الفريق الأول/شركة أسمنت طرطوس/ المسؤولية الكاملة عن عمالها ومستخدميها وتلتزم بتسديد أجورهم ومكتسباتهم وتسديد جميع التكاليف الإنتاجية اللازمة لعمليات التشغيل (محروقات، كهرباء... إلخ)، وتسديد ما يستحق للدولة من حصة مالية لقاء المواد الأولية، بالإضافة إلى الرسوم والضرائب مهما كان نوعها ومهما بلغت.
ـ تلتزم شركة أسمنت طرطوس بتأمين كل مستلزمات العملية الإنتاجية، وخصوصاً فيما يتعلق بالكميات والمواصفات والتوقيت لضمان عدم حدوث أية انقطاعات أو توقفات في عملية الإنتاج.
ـ تضمن شركة أسمنت طرطوس، وعلى نفقتها، مستويات الحد الأدنى والحد الأعلى من القطع التبديلية الأساسية، وقطع الغيار، والمستلزمات السلعية اللازمة لسير العملية الإنتاجية.
كلمة أخيرة
لو أن كل هذه التسهيلات والخدمات تم توفيرها للشركة بإدارتها المحلية وكفاءاتها الوطنية، لعادت جميع الأرباح التي يحصدها الغرباء إلى خزينة الدولة وكانت الزيادة في الإنتاج من نصيب الشعب.