«عين الكاميرا».. عوراء أم عمياء؟!
- ربّما لم أنتبه لوقت طويل إلى عدم التناسق بين عنوان الفقرة الوثائقية (عين الكاميرا) التي تقدّمها يوميّاً شاشتنا العزيزة، وبين ما تعرضه من مشاهد مصوّرة من شتّى أصقاع الدنيا!!.
فللتصوير كما نعلم عالمه وسحره الخاصّان به، والصورة في أيامنا باتت سمة من سمات العصر وحاجة من حاجاته، ولا أحد ينكر هذا طبعاً، وما ترينا إيّاه الكاميرا هو انعكاس لحرفيّة وحساسية عين المصوّر، ولكنّني في آخر مرّة شاهدت فيها هذا الشريط الوثائقي اليومي، اكتشفت اكتشافاً، ولكن للأسف ليس بمفيد للبشرية... حيث أنني أدركت فعلاً عدم وجود أيّة حساسية لدى هؤلاء المصوّرين، الذين يقومون بالتقاط تلك المشاهد، وخلوّ مشاهدهم من عامل التشويق والإثارة، والحس بالمشهد الملتقَط. هذا طبعاً إن كانت مهمة الكاميرا فعلاً بث المُشاهد بمعلومات بصرية، بطريقة معبّرة، دون تعليق معلّق، أو شرح مقروء لما يشَاهَد. ونحن نعلم تمام العلم عدم قدرة أية آلة تصوير في العالم على السمع أو الكلام، فهي جماد كما تعلّمنا في المدرسة!!. فإذاً آلة التصوير ترى ولكن بعين المصوّر لا بعينها أو عدستها. ونحن نعلم أيضاً أنّ مهمة العين هي البصر، وتشكيل صور مجسّمة للمحيط، فهي لا تنطق ولا تسمع كما في برنامج ( العين تسمع)، الذي كان يعرض في فترة الأطفال عندما كنّا صغاراً, وهو البرنامج الذي يحوي من الجمود والتقتير في العرض ما لا يستطيع طفل تحمّله... لذا أعتقد أنّ تسمية الشريط بتسمية أخرى، ربّما ستعطيه واقعية أكبر. مثلاً ( مشاهد من العالم)، حيث أنّ المشهد يحتمل أن يكون عبارة عن صورة متحرّكة بلا صوت، أو صوت وصورة، وبالتالي سيصبح لدى المصور فرصة لعدم إظهار مشاهده بمظهر تشويقي، كما يفعل البعض في ( عين الكاميرا) حيث المشهد «تشويكي» فعلاً.
- وقد شدّ انتباهي أيضاً أحد المشاهد، والذي ذيِّلَ بعنوان «ارتفاع أسعار المعيشة في فرنسا«!!!
وهذا المشهد لم يشدّني فقط بل أثار فيّ مشاعر الغباء والدهشة! مما جعلني أطلق قهقهة طويلة...
فلم أشاهد في تلك اللقطة سوى أناس مختلفين، من رجال ونسوة وأطفال يتجوّلون في الأسواق، ويبتاعون حاجياتهم، دون أن ألمس لديهم أي إحساس بالغضب أو عدم الرضا، ثم أنه لم يمر في اللقطة أي دليل يؤكّد على أن المشاهد مأخوذة في باريس، أو في أي منطقة فرنسية أخرى !!
فلو تجوّلت هذه الكاميرا في شوارعنا وأسواقنا، وألقت بتركيزها على سحنة المارّة والمتسوّقين، الذين يمشون في طريقهم دون أن يلووا على شيء، غير الانقضاض على لوائح الأسعار وتكسيرها، وتكسير الفريق الاقتصادي الذي جعل الناس بفضل سياساته الحكيمة جماعات من المتسوّلين، حلمها أن تصبح في يوم من الأيّام من جماعة المتسوّقين، لو فعلت الكاميرا ذلك فعلاً، لجاءت صورها أكثر مصداقيّة بكثير من صور تلك الجولة الباريسية . ولكن يبدو بأن عين الكاميرا عوراء أو عمياء، وتحديد كونها الأولى أو الثانية سهل وبسيط، أليست تملكُ عيناً واحدةً، وهذه العين عوراء؟ إذاً فبالتأكيد الاحتمال الثاني هو الأصوب أي أنها عمياء، فمن يحملها قد أصابه العمى، هو ومن يعرض مشاهده، مع فائق الاحترام والتقدير.
كيف لم يصبها العمى، وهي لا تستطيع أن ترى الحال الذي تردينا إليه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، البرغل، تلك الوجبة الشعبية الخالصة، «خالصة» من بين أيدي الناس، طبعاً مع ارتفاع سعر الكيلو غرام الواحد لأحد أنواعها إلى ما يزيد عن (125) ل.س فقط لاغير، وبذلك لم يبقَ شيء يتميّز بالشعبية في أي نوع من مأكولاتنا، التي كانت «شبعية» بالإضافة لشعبيّتها، حتى الفلافل، أفخم المأكولات الشعبية، التي كان لقبها الشعبي (أكلة الفقير) مشت في الركب الأرستقراطي، وبات الواحد منا- وخاصة طلاب الجامعة - يعد للألف، قبل أن يفكّر بالتلذذ بطعمها الفريد .
أي أننا لن نتمكّن بعد الآن، من أن نطرب لفرقة (كلنا سوا) حين تغني :
«بيسعدني وبيشرفّني تقبلي دعوتي عالعشا
على صندويشة فلافل وكاسة لبن عيران»
ملاحظة: لا أخفي أنّني عند مشاهدتي لعين الكاميرا في أسواق باريس، استعدتّ صورة أحد الظرفاء في بلدنا، وهو يسأل البقّال عن سعر كيلو البندورة، فكانت إجابة البائع كفيلة بجعل هذا الظريف في حالة من الذهول، جعلته يقول: «شو ياعمّي؟ شو مفكّر حالك بباريس؟؟»
■ رواد زكّور