بين الكارثة والتنظيم.. قرية «المشيك» بلا هوية
قرية «المشيك» الواقعة على طريق عام جسرالشغور- دمشق، هي إحدى ضحايا سد زيزون الذي انهار عام 2002، والحي الجنوبي منها كان تابعاً لبلدة الزيارة في منطقة الغاب، وتم ضَمّه إلى قرية المشيك عندما وضع لها مخطط تنظيمي قبل الانهيار. هذه القرية أصبحت رسمياً بعد الانهيار بلا وجود، فقد تم إلغاء المخطط التنظيمي للقرية، إذ اعتبرت منطقة كوارث، بناء على اجتماع لجنة الطوارئ التي ترأسها رئيس مجلس الوزراء، لتبدأ رحلة المعاناة والضياع لأهالي القرية الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية الماشية. إلا أن عدداً من الأهالي، الذين يملكون بيوتا صغيرة أو تهدمت بيوتهم، رحلوا إلى قرية زيزون المشيدة حديثاً، وبقيت ثلاثون أسرة لم تتضرر بيوتهم، يسكنون في بيوت عربية واسعة، وبعضها طابقي تقطنه أكثر من أسرة، وهم مهددون بالترحيل باعتبار المنطقة اكتسبت صفة العشوائية، وعرض على الأهالي استلام شقق سكنية في قرية زيزون الحديثة، ولكن الشروط المجحفة منعتهم من الانتقال إلى القرية المذكورة، فمن كان يملك بيتاً مساحته 200 متر مربع، يحصل على شقة مساحتها 120 متر مربع، ومن كان يملك بيتا مساحته 300 متراً مربعاً، وتسكنه أكثر من أسرة، يحصل أيضاً على شقة واحدة لتسكن أسرة وتشرد أخرى. علماً أنه لن يحصل على شقة إن لم يهدم بيته السابق بيديه، وقد فعل البعض من الأهالي ذلك، ليندموا بعد أن ابتعدوا عن أراضيهم ومصدر رزقهم.
ـ يقول أحمد الطياوي مدير مدرسة المشيك: أولادنا كبروا، والبيوت الواسعة ضاقت بنا وصارت بؤرا للاضطراب والنزاع بين أفراد الأسرة الواحدة، وإذا كان البيت الضيق يتسع لألف صديق،فإلى متى سيبقى الإخوة أصدقاء في ظل هذا الوضع الصعب؟
فالضيق يُحتمل لفترة من الزمن، أما أن يبقى إلى ما لا نهاية فهذا ظلم. ولماذا لا يوضع مخطط تنظيمي جديد للقرية يسمح لنا ببناء بيوت مرخصة؟ فمعيشتنا مرتبطة بأرضنا وتربية ماشيتنا، وإن كانت القرية أزيلت نظريا عن الخريطة فهي في الواقع ما زالت موجودة وتحتاج فقط لإعادة الاعتبار إليها، ومطالبنا سهلة التحقيق، إما بضمها رسمياً عبر المخطط التنظيمي لتتبع إلى بلدة الزيارة، كما كانت في السابق، أو أن تمارس وضعها الطبيعي كقرية لها مخططها التنظيمي المستقل، لنشعر أننا منتمون إلى مكان ما.
ـ أما المواطن عبد الإله فيقول: «إن هذا الحي معروف باسم حارة الطائيين، وهو جزء من بلدة الزيارة، وقسم من أبنائنا يدرس في مدارسها كونها أقرب إلينا من مدرسة المشيك، ويمثلنا على مر السنين السابقة عضو من هذا الحي في مجلس بلدة الزيارة. المكان ضاق بنا وأصبح العيش لا يطاق، وصرنا نتحايل على شروط العيش ببناء أكواخ القصب والطين، لنستطيع أن نؤوي أبناءنا، فبعدما كنا نعيش في بيوت صحية، صرنا نسكن بيوت الصفيح، وصلنا إلى حالة قاسية من التدهور الصحي والاجتماعي، ما يجعلنا غرباء أو لاجئين في بلدنا، فكيف سنستمر بزراعة أراضينا في غياب أحد مقومات الحياة ألا وهو السكن؟ ونحن لا نستطيع الابتعاد عنها، لأنه يؤدي إلى تراجع إنتاجنا الزراعي والحيواني، ومصيرنا مرتبط بهما. وما نأمله من صحيفة قاسيون أن توصل صوتناإلى المسؤولين، فالمسؤولون في المحافظة لم يعيرونا اهتماماً، ولم ننل منهم سوى الوعود».
الكثير من الفلاحين هدمت بيوتهم جراء الانهيار، ولم يحصلوا على دورهم بامتلاك منزل في قرية زيزون الحديثة حتى الآن، لسوء لجنة التوزيع والآلية التي عملت بها وما تخلل عملية التوزيع من فساد وسوء الإدارة. والأخطر من ذلك أن الكثيرين من الفلاحين الذين سكنوا قرية زيزون الحديثة أهملوا أراضيهم أو باعوها، لبعدهم عنها ولأن تكاليف نقل المواد من أسمدة وبذور، والإشراف على الأرض ورعايتها، شكل عبئاً كبيراً، وخاصة بعد رفع الدعم عن المازوت، حتى أن البعض منهم باعوا هذه الشقق وهاجروا إلى محافظات أخرى، بعد أن خسروا كل شيء.
إن «قاسيون» تضم صوتها لأهالي قرية المشيك لتثبيتهم في قريتهم وللحفاظ على إنتاجهم الزراعي، فمطلبهم سهل التحقيق، ويؤدي إلى استقرارهم، ويحافظ على كرامتهم وكرامة وطنهم..