في الثلاثاء الاقتصادي.. د. الميداني يطرح وجهة نظر في الأزمة..
قدم د. أيمن الميداني بحثاً في إطار ندوات الثلاثاء الاقتصادي تناول فيه معطيات الأزمة الرأسمالية الراهنة، متلمساً إياها من السطح وعارضاً ما رأى- كاستشاري في شؤون التمويل والأسواق المالية- من أسبابها وأبعادها. وجاءت الندوة تحت عنوان «قراءة في الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة»..
ابتدأ د. الميداني كلامه بتوصيف الأزمة الراهنة بشكل يفتقد الكثير من العمق،، معتبراً أنها «أزمة مصرفية مالية اقتصادية أمريكية» وتطرق إلى مجريات تداعياتها على اقتصاد الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي عموماًبشكل عابر ومدرسي، ليصل إلى اقتصادات البلدان العربية التي قسمها الباحث إلى «بلدان منتجة للنفط وبلدان مستورده له»، وعلى الرغم من اعتبار سورية دولة منتجة ومستوردة للنفط- ومثلها الكثير- إلاّ أن الباحث لم يعتبر ذلك على ما يبدو بنداً آخر للتصنيف. وبذلك كان لتأثير الأزمة- وتحديداً شق النفط منها- على سورية وفق د. ميداني وجهان:
الأول كمنتجة؛ حيث تأثرت بالأزمة المالية العالمية خاصةً بعد انهيار أسعار النفط بنحو 70%، إلى جانب تراجع الطلب على المنتجات البتروكيماوية والتراجع الكبير في إيرادات النفط عموماً ما «قد يؤدي إلى تخفيض في الإنفاق العام للدول المنتجة، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض في معدلات نمو الودائع والقروض والتسليفات وتوسيع القروض المتعثرة (خاصةً العقارية)... ونشوء أزمة سيولة مصرفية وانكماش في النشاط الاقتصادي وتراجع في الطلب العام وفي الأسعار.. وصرف عمال وموظفين وتخفيض رواتب وتعويضات العاملين الباقين.. الخ».
والتأثير الثاني كمستوردة؛ حيث ستستفيد الدول المستوردة من «انخفاض أسعار المشتقات النفطية وأسعار المواد الأولية والمنتجات الصناعية التي تستوردها ما يخفض عجوزات الميزان التجاري والموازنات الحكومية»، لكنها ستخسر حسب د. الميداني جراء «تدني إرساليات عامليها في الخارج، وعودة بعضهم للعمل في بلاده ما قد يزيد من عبء البطالة، وتراجع معدلات نمو تدفق الاستثمار العربي والأجنبي المباشر، وتراجع السياحة والنمو الاقتصادي، وستعاني حدوث انكماش اقتصادي» (أي النتيجة الأولى نفسها).
وكما لم يسهب الباحث في تحليل جوهر الأزمة، فإنه لم يسهب كثيراً في بحث تأثيرها على الاقتصاد السوري، فاكتفى بتوضيح مفاده أن هذا التأثير سيدخل من «بوابة القطاع الخارجي أو ما يتفاخر البعض بتسميته الاندماج في الاقتصاد العالمي»، ورأى أن تأثير الأزمة في الاقتصاد السوري كان سيشتد أكثر (دون توضيح مدى شدته فعلاً) لو تم السماح باستمرار انهيار البنوك العالمية وإفلاسها، إذ «كان من الممكن أن تخسر المصارف السورية الخاصة والمصرفان التجاري والمركزي السوريان التوظيفات والإيداعات في البنوك الخارجية (في أوروبا وأمريكا)». وفيما يتعلق بتأثير انخفاض أسعار النفط (كجزء من الأزمة) أوضح د. الميداني أن «صافي هذا التأثير يحتاج إلى حسابات وزيري النفط والمالية»!.
وأشار د. الميداني في أحد أمثلته إلى أن سعر برميل النفط الخفيف في الموازنة العامة السورية لعام 2009 تم احتسابه بـ 51، والثقيل بـ 42 دولاراً، واستنتج أنه «إذا كان عجز الموازنة وفق هذا الاحتساب يبلغ 226 مليار ل.س فإن هذا العجز مرشح للارتفاع مع استمرار بقاء أسعار النفط عالمياً تحت أرقام احتسابه في الموازنة». وانتهى في عرض الآثار المتوقعة على الاقتصاد السوري عند «تراجع عدد السياح العرب والأجانب ما يخفض إيرادات القطاع السياحي»، والذي يراه الباحث قطاعاً هاماً، إضافةً إلى ما ستشهده سوق العقارات من جمود يليه تراجع في الأسعار، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي ودخل الفرد ومستوى المعيشة.. مورطاً نفسه في تناقض علمي منهجي!!
وعن الإجراءات المطلوبة لدرء آثار الأزمة على سورية عموماً، وعلى «القطاع المصرفي الناشئ وأسواق الأوراق المالية المستحدثة» خصوصاً، رأى د. الميداني أنه من الضروري وجود «رقابة علمية خبيرة وقوية على المصارف من المصرف المركزي فيما يتعلق بمعايير وقطاعات ونوعية الإقراض، إلى جانب تعزيز الرقابة الداخلية والشفافية والإفصاح والحوكمة»، ودعا إلى محاربة الشائعات والتداول من الداخل بطرق علمية لتثبيت الثقة في الأسواق وفي مقدرة ونوايا الجهات الرسمية المشرفة عليها. ولابد، حسب الباحث، من «توسيع وتنويع الأدوات المالية في أسواق النقد والرأسمال السورية لجذب السيولة النقدية الكبيرة المتوفرة في المصارف السورية إليها عوضاً عن انتقالها للخارج»، كما دعا إلى «عدم السماح للرأسمال الأجنبي بالتداول في سوق دمشق للأوراق المالية في بدايات عملها ولعدد محدد من السنوات». وختم اقتراحاته بالتشديد على أهمية «التركيز على مشاريع الاستثمار الحقيقي في الزراعة والصناعة والبناء والنفط والغاز والمرافق السياحية والنقل.. ألخ» وهذا أفضل ما خلص إليه، لكن بهذا التشديد اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد المتتبع للمحاضرة يعرف ماذا يريد المحاضر، و اختلط الاستثمار الإنتاجي بالخدمي والطاقوي.. الخ..
لكن يبقى لزاماً التذكير بالهدف الذي أعلنه الباحث في النهاية.. وهو «خلق فرص عمل منتجة وزيادة الإنتاج الوطني الحقيقي ورفع مستوى الدخل». ويؤخذ على الباحث أنه لم يحدد الشريحة المطلوب رفع مستوى دخلها.. وأنه دعا الحكومة إلى استغلال تدهور أسعار النفط العالمية وإقرار تحرير أسعارها محلياً.. لأن ذلك ألطف على المواطن الذي سيسعده انخفاض أسعار البنزين.. وحين يرتفع سعر المحروقات عالمياً «نكون قد حررنا أسعارها محلياً»!.