كيف أصبحت شيوعياً
ضيف هذا العدد الرفيق فاروق محمد سعيد بدوي
الرفيق المحترم أبو سعيد نرحب بك، ونحييك، ونود أن نسمع منك:كيف أصبحت شيوعيا؟.
أنا من مواليد دمشق قرية المزة عام 1940 في عائلة شعبية عمالية كانت تعمل في تصنيع الخيوط بأنواعها وصولاً إلى الحبال التي تتداخل بها أسلاك معدنية تزيدها قوة لإرساء البواخر والمراكب البحرية. درست المرحلة الابتدائية بمدرسة المزة، ثم تابعت الدراسة في التجهيز الثانية (أسعد عبد الله) بمدينة دمشق، وتفتحت عيناي في تلك الثانوية على الأستاذ القدير الرفيق عبد الكريم محلمي مدرس مادة الجغرافيا، صاحب الجدل المشوّق والمقنع بدولة الكادحين الأولى في العالم (الاتحاد السوفييتي)، وكذلك الأستاذ الفاضل العاشق للوطنية والثورة ضد الظلم والقمع ذوقان قرقوط مدرس مادة التاريخ، والبداية كانت مع هذين المربيين الفذين الساعيين في سبيل العدالة والحرية للشعب والوطن، فبدأت البحث عن ذاتي التي أنهكها العمل الشاق مع والدي بشكل إلزامي والتحكم بساعات النوم والمأكل دون أن يكون لي حق بإبداء الرأي أو المطالبة بأي من حقوقي، ومن خلال البحث وجدت نفسي تتقاذفني الأحداث بين ساحتين (احتفالات المرشح رياض المالكي مرشح التجمع الوطني من جهة واحتفالات المرشح مصطفى السباعي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين)، في هذا المعترك السياسي تكونت عندي جملة فكرية خاصة بي دفعتني لأطرح أسئلة عدة عن نشأة الكون، التكوين، الوجود وكنهه، متغيراته.. مفرداته.. صيرورته.. ومرة أخرى وجدت نفسي بين شابين واسعي الأفق، أجادا لغتي الفكرية وأجدت لغتهما في التحدث عن الأحداث التي كانت تصلني للبيت عن طريق بعض المطبوعات والكتيبات، وهما الرفيقان زوار وكمال أحمد، وكذلك قراءة كتاب الاقتصاد السياسي المهدى إليّ من الصديق محمود سلامة، ومن هنا كانت نقطة الانعطاف الرئيسي في حياتي، فأصبحت واحداً في صفوف طليعة شبابية مثقفة، قرأت ودرست معهم مصادر الماركسية الثلاثة والبيان الشيوعي، فتكوّن لدي وعي مجتمعي يستطيع أن يقوم بقسطه في النهوض بمن حوله أولاً، ثم بالمجتمع إلى موقع لائق ومتقدم بين المجتمعات الإنسانية، وفي قناعتي فإن للثقافة الثورية الدور الأكبر في فهم الماضي واستيعاب الحاضر وبناء المستقبل، وذلك برفدها الحركة الفكرية التي تمتلك العقول التي بدورها تدير المجتمع البشري لما فيه خيره، وهنا تتقاطع الأفكار والثقافات لتتفق وتتصادم حسب مواقعها، وهنا يكمن نشاط رفاقنا النظري والعملي المتجلي في الحراك بين الجماهير ونشاطاتها الوطنية والطبقية، وكذلك في الانتخابات الحزبية والبرلمانية والإدارة المحلية، وفي حركة الكون الصاعدة دائماً، ونحن جزء من كل هذا.
إنني اليوم أتذكر ساعة انتظمت لأول مرة بفرقة حزبية مع الرفاق فايز مارديني وكمال أحمد وسالم سكر، لقد شدني النضال الحزبي والوطني والطبقي وعشت قساوة ومرارة الظروف القاهرة وحرارة المظاهرات وحميمية العمل والكفاح بين صفوف العمال والكادحين... جمع التواقيع على العرائض وتوزيع البيانات والمنشورات والاحتفالات الوطنية والمهرجانات الشعبية، ولم يثننا شيء عن مواصلة النضال إلى أن حدثت الانقسامات التي كانت ضربة قاسية للحزب ولجميع الرفاق. لقد ظهرت الانقسامات تباعاً، وكل منها (يعبر عن وجهة نظر مختلفة)، عايشت هذه الانقسامات وبتقديري أنها نتيجة اختلاف الآراء، ولو كان هناك فهم للمختلفين بعضهم بعضاً لما حصل ما حصل، وبرأيي أن كلاً من تراجع الأخلاق الشيوعية، والانتهازية والسعي وراء المصالح الذاتية والاستزلام وإطلاق التهم جزافاً والثرثرة خارج التنظيمات، لعبت دورها في تردي وضع الحزب وابتعاد الجماهير عنه، والظرف الراهن وعلى كل الأصعدة يشهد اليوم نهوضاً في مجمل نضالات الشعوب للتصدي لاستئثار القطب الامبريالي بحكم العالم، وهذا شيء مخالف لقوانين الطبيعة والمجتمع، والآن تتضح صحة قول الرفيق خالد بكداش: (لايمكن أن يكون للكون قطب واحد، فعالم البشر كالطبيعة، متعدد الأقطاب)، وفي ذلك دعوة لاستنهاض عزائم الشعوب لمجابهة أعدائها، وشعبنا لاشك واحد منها، ينتظر من قواه الوطنية أن توحد صفها، ونحن الشيوعيين ندرك رغم كل ما تعرضنا له من انقسامات وتشرذم وضعف، أن الخلاص لن يكون إلا في إنجاز وحدة الشيوعيين السوريين التي هي بدورها أساس في الوحدة الوطنية المنشودة للدفاع عن الوطن ولقمة وكرامة الشعب. وأنا واثق كل الثقة أن لا مكان لليأس في قلوب الشيوعيين رغم ما أصابهم من ألم ومرارة، وأحسب أن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري قصدهم بقوله:
لن يترك الميدان فارسه
لا...لم تزل لنسورها القمم
إن يكب عبر الساح مختضباً
فهديره البركان والحمم
لا تحفلن بموجة طفرت
فعلى قرون الشط تنحطم
أنا مؤمن بالفكر الشيوعي ومصادره الثلاثة، فهي كل متكامل..
وأختم حديثي بتحية الرفاق الساعين لوحدة الحزب في مختلف مواقعهم، وأحيي أسرة تحرير صحيفة قاسيون لما تتسم به هذه الصحيفة من صدق وجرأة وموضوعية ودقة تحليل.
■ إعداد محمد علي طه