واقع الحرفيين في سورية .. بين سياسات الفريق الاقتصادي وجمود العمل المطلبي

يصطدم المتابع للتصريحات الحكومية بالفرق الشاسع بين هذه التصريحات، وبين الممارسات الفعلية التي يقوم بها الفريق الاقتصادي على أرض الواقع، فعلى الرغم من أن الحكومة قد أكدت عدة مرات بأن سياسات الخصخصة والخضوع لتعليمات البنك الدولي وتحرير التجارة الخارجية تماماً، هي من الخطوط الحمراء التي لا يمكن للسياسة الاقتصادية الحكومية أن تتجاوزها، فإن الفريق الاقتصادي قد تجاوز هذه الخطوط الحمراء منذ زمن بعيد، وهو مستمر في سياساته الاقتصادية التي تضر بمصالح أغلبية فئات الشعب السوري تحت حجة الإصلاح الاقتصادي.

ولعل الحرفيين هم من أكثر شرائح الشعب السوري تضرراً، رغم دورهم الكبير في الإنتاج الوطني، فهذه الفئة من المنتجين التي يبلغ تعدادها نصف مليون حرفي، وتعيل أكثر من مليوني إنسان هي اليوم على شفير الهاوية، بعد أن همشها وغربها الفريق الاقتصادي بسلوكياته، وسط كومة الأخطاء التي ارتكبها بحق الإنتاج الوطني.

فهذه الشريحة التي قدمت الدم والجهد والإنتاج الجيد على مر العقود، تتعرض للانقراض التدريجي، هي وحرفها التراثية المتوارثة، فقد فقدت دورها التنموي، الهام والضروري للوطن، وتم تغييبها تماماً عن الحياة العامة، باستثناء بعض الاجتماعات الصورية لاتحادها العام، التي لا يناقش فيها أي برنامج أو خطة إنتاجية، اللهم إلا زيادة رسوم الاشتراكات، وفرض طرق إجبارية للانتساب إلى الاتحاد، ومعظم القيمين منذ سنوات طويلة على هذا التنظيم، هم من مالكي المزارع والفيلات الفارهة، وهم أبعد ما يكونون عن واقع الحرفيين، ويمكننا أن نسوق العديد من الأمثلة على جمود العمل المطلبي لدى هذا الاتحاد، والإهمال الكبير الذي يتعامل به مع قضايا الحرفيين: 

فمنذ خمس سنوات أقامت غرفة صناعة حلب، تحت رعاية محافظ المدينة أسامة عدي، ندوة في المنطقة الصناعية، بعد أن طرحت هذه المنطقة للبيع بأسعار جديدة على الصناعيين، والغريب أن حق الحرفيين كان مغيباً تماماً في هذا المشروع، رغم أنهم أصحاب الأرض الحقيقيون، أما إتحاد الحرفيين فلم يكن له أي حضور في الندوة، كأن الحدث لا يعنيه. قمنا بحضور هذه الندوة، وقدمنا مداخلة، أوضحنا فيها للمحافظ بأن هذه المناطق مكتتب عليها من الحرفيين منذ /30/ عاماً بوثائق مصرفية، ومساحة الأرض محددة بوثيقة القسط الأول من أصل ثلاثة أقساط، يومها توجه المحافظ إلى المهندس بسام بيروتي مسؤول مجلس المدينة، فأيد ما طرحناه وطالب بإحقاق حقوقنا كحرفيين، ووجهنا إلى مدير المدينة الصناعية لبيان الرأي والإعادة، وكان رد مدير المدينة الصناعية:

«السيد محافظ حلب، السادة الحرفيين مكتتبين في المنطقة الصناعية بالشيخ لدى مجلس المدينة منذ عام 1979، ، دون أن يتم إنشاء هذه المنطقة، وقد أُنشئت المدينة الصناعية في الشيخ عام 2000، أي بعد عشرين عاماً تقريباً لمصلحة الفعاليات الصناعية فقط، دون إنشاء منطقة حرفية فيها، وبالتالي لا يمكن تلبية مطالبهم حول المنطقة، لعدم إمكانية تحقيقها»

وبهذه الطريقة ضاعت حقوق الحرفيين لمصلحة حيتان المال، دون أن يحرك اتحاد الحرفيين ساكناً للدفاع عنها، ولعل من حقنا أن نتساءل مع عموم أفراد شريحة الحرفيين عن مدى جدية هذا الاتحاد، الذي يمثل الدفاع عن حقوق الحرفيين المبرر الوحيد لوجوده؟؟.