مدارس وطلاب.. وأرواح بلا حساب

ليس أمراً عادياً بالتأكيد أن يموت تلميذ أثناء دوامه الرسمي في مدرسته، فكيف إذا وقع هذا الموت نتيجة حادثة تسبب بها آخرون؟

 

ففي حادثة غير مألوفة أو اعتيادية توفى الطفل «يزن نصار» في الصف الرابع بمدرسة الياس فرحات في حي الدويلعة بدمشق، نتيجة وقوع رافعة تابعة لإحدى الشركات الإنشائية الخاصة على المدرسة فأصابته بمقتل.. وأصيب في الحادثة فادي فرح من الصف الخامس إصابة خطرة، كما أصيب أيضاً عامل بناء من الشركة المنفذة للعمل.. وحسب تأكيدات العديد ممن التقينا بهم على إثر الحادثة، فإن الجريحين: الطفل وعامل البناء هما الآخران قد توفيا أيضاً في وقت لاحق.

وفي التفاصيل التي استطعنا جمعها، فإن الشركة كانت تعمل بالإشادة والترميم ضمن أوقات الدوام الرسمي للطلاب، في المدرسة المجاورة لمدرسة الياس فرحات على الجدار الملاصق لها، وقد سقطت الرافعة أثناء العمل بها، نتيجة عدم تثبيتها بشكل جيد.

وعند ذهابنا إلى المدرسة للاستفسار بشكل أوضح عن تفاصيل الواقعة كما حدثت تماماً، صدمنا برفض الإدارة الإدلاء بأي تصريح أو توضيح، لأن ذلك حسب زعمهم يحتاج إلى موافقة من مدير التربية في محافظة دمشق، فعدنا أدراجنا لنسأل الشهود العيان عن طبيعة الحادثة وتفاصيلها..

إن هذه الحادثة الاستثنائية، تعبر عن الإهمال الواضح والمفضوح لإدارة المدرسة والشركة المنفذة، واستخفاف كل منهما بحياة التلاميذ والطلاب، وتنفي أي زعم لكليهما بالحرص على السلامة العامة، وهي تطرح العديد من الأسئلة التي تحتاج لإجابات صريحة من القائمين على شؤون التربية والتعليم في دمشق.

أولها، وهو برسم المسؤولين في وزارة التربية ومديرياتها ومدارسها، لماذا يُسمح للشركة المتعهدة لأعمال البناء مباشرة أعمالها ضمن أوقات الدوام الرسمي للطلاب؟ فمن الواجب قانونياً وأخلاقياً أن تختار أوقات مناسبة للعمل لا تتسبب بالضرر للطلاب، خصوصاً وأن هناك صيفاً طويلاً سبق بداية العام الدراسي الحالي، أم أن أرواح الأطفال لا تعنيهم. كما وأن هذه الأعمال البيتونية «توسيع مدرسة.. ترميم، صيانة»، يتخللها أثناء التنفيذ الكثير من الحركة والضجيج، التي تفقد الأطفال والمدرسين تركيزهم أثناء إعطاء الدروس، وتبعد الطلاب عن المتابعة الفعلية للشروحات المقدمة.

ثاني الأسئلة هو برسم إدارات الشركات الإنشائية الخاصة والمتعهدين الذين لا يهمهم سوى الربح، ولا يعطون أية أهمية للسلامة المهنية وتدابير الوقاية وحماية الناس والعمال، فلو كانت الرافعة مثبتة بشكل جيد لما وقع الحادث، وسقط فيه ضحايا..

وآخر الأسئلة هو برسم سادة البيروقراطية في بلدنا، حيث راجت مؤخراً تعاميم مكتوبة وشفهية تمنع الصحافة من ممارسة دورها الرقابي والإعلامي، إلا بعد إجراءات وموافقات لا مبرر أو جدوى لها..

إن قاسيون، تتضامن مع كل المصابين وذويهم، وتطالب الجهات المعنية بمعاقبة المتسببين بالحادث، وكل من أهمل، وتقاعس عن أداء واجبه في حماية الطلاب وتأمين الأمن والسلامة لهم..