حلب: توالي مسلسل الرعب والنزوح
كانت الليالي العشر الأخيرة مرعبة في حلب، فقد تلبدت سماؤها بالدخان الأسود من مختلف الاتجاهات، وخاصه الغربية منها… لتزيد لياليها حلكة مع انقطاع التيار الكهربائي الذي تعايش معه الحلبيون طوال سنوات!.
في الأول من آب، وفي فترة ما بعد الظهر، بدأت حلقه جديدة من مسلسل الخراب، مع شن الجماعات المسلحة هجوماً شديداً على محاور مختلفة، بدأت بمدرسة الحكمة، غربي حلب المدينة، حيث سيطر إرهابيو ومسلحو «جيش الفتح وجبهة النصرة ومجموعات مسلحه أخرى» على مدرسة الحكمة القريبة من مشروع الـ 1070 شقة، الذي يقطنه حوالي الـ 40 ألف نسمة من النازحين القادمين من مناطق البؤس والأشد فقراً في حلب، وتكاد لا تخلو أسرة منها من وجود حالة استشهاد أو إصابة مختلفة الشدة، جراء مسلسل الاشتباك الذي امتد لسنوات.
بعد الإفقار.. تشرد وأسر
لا يفوتنا هنا أن نذكر أن مشروع الـ 1070 هو على الهيكل، فلا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي طبعاً، بل أكثر من ذلك فالأبواب والنوافذ هي من شوادر المعونات الإنسانية، لكن لا مفر ولا مأوى أمام الأسر المفقرة جداً جداً إلا أن تكون تحت سقف ما، أياً كان!.
مساء الأول من آب بات هؤلاء البؤساء أمام حالة نزوح جديدة وتحت النار أيضاً، ولم يجدوا غير الأرصفة والحدائق تؤويهم هذه المرة، نعم لم يجدوا سوى قارعة الطريق فراشاً والسماء غطاءً لهم، تحت وقع الاشتباك الدامي المجنون، حيث أن من بقي في ذلك المشروع تعرض للأسر أو (للخطف) من قبل المسلحين، ونقل هؤلاء الأسرى البؤساء إلى سجون ما يسمى «جيش الفتح» في منطقة خان العسل.
تهجير وتعفيش
في الأثناء، وتحديداً في مشروع الإنشاءات القريب من المكان ذاته، المؤلف من 120 شقة، والتي تؤوي حوالي 1000 نسمة، ورغم خطورة الوضع، فُرض على هؤلاء السكان، النازحين أيضاً، مغادرة مساكنهم بحجة دواع أمنية تحت تهديد السلاح، من قبل مجموعة ملقبة باسم قائدها أبو .. ، ليعود بعض السكان المهجرين قسراً صباح اليوم التالي ليجدوا بيوتهم قد (عُفشت) تماماً!، ولم يستطيعوا استعادة إلا القليل جداً منها عبر قسم شرطة الحمدانية.
توالت حالة الاشتباك والمعارك وتوسعت كرة اللهب لتزيد رقعة الحريق على مساحات أوسع في حلب، نعم لقد كانت سماء المدينة تمطر رعباً وقتلاً ودماراً لتزيد البؤس والخيبة والحزن والسواد على الأرض.
قطع شريان الحياة
سرعان ما آلت الأمور إلى إغلاق الطريق الوحيد لأبناء حلب (طريق الراموسة) ، ما فتح الباب على مصراعيه أمام شلال أزمات، كان متدفقاً أصلاً من قبل انقطاع الطريق، ولتتماثل حلب حينها في جزأيها الغربي والشرقي في المعاناة والأزمة الإنسانية، فلا ماء ولا كهرباء ولا محروقات ولا غذاء.. ولا حياة، حيث تضاعف الازدحام أمام الأفران، فغدا رغيف الخبز أمنية على الكثيرين من فقراء حلب المثخنين بالجراح.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ونؤكد أن ادعاء المسلحين عن فتح ممر إلى القسم الشرقي من حلب باطل تماماً، وكل أسرة تنال ربطة خبز كل يومين.
مع الحل السياسي
الحلبيون اليوم، وعلى الرغم من نكباتهم وآلامهم، تواقون لاستئناف قاطرة الحل السياسي التي يجب أن تسير، وهي تسير فعلاً بموازاة محاربة الإرهاب أينما وجد، وكيفما وجد، ولسان حالهم يقول للمتشددين من كل الأطراف المتصارعة، أما وصلتم إلى درجة الشبع من آلامنا وجراحنا وتشردنا ودمار مدينتنا؟.
وهم بآن يحذورن هؤلاء المجرمين والناهبين وأمثالهم وأدواتهم، بأن إرادة الحياة أقوى، وقد استنفذ موعد الإمهال ولن يتم إهمال من تاجر وأثرى على حساب الدماء وعلى حساب إعاقة مسيرة هذه الحياة وخياراتها، فحلب جديرة بالحياة، كما هي سورية كلها، جديرة بأن تكون بلا لصوص ولا طفيليين ولا مجرمين.