محافظة دمشق وشرعنة المخالفات
في تعبير عن عجزها في قمع المخالفات، محافظة دمشق تقوم بقوننة المخالفة مفسحة المجال أمام البعض للمزيد من الاستثمار والثراء على حساب راحة المواطن وأملاكه العامة.
فقد قررت محافظة دمشق أن لأصحاب المحال التجارية والمقاهي الحق بالترخيص لإشغال الأرصفة العامة، بالطاولات والكراسي وشاشات التلفاز، واعتبار ذلك مكملاً لمحالهم التجارية.
مبررات باهته
وقد تداولت وسائل الإعلام أن فيصل سرور عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق قال: «أن المحافظة عمدت عبر القرار الجديد إلى التخفيف من المعاناة الناتجة عن منع إشغال الأملاك العامة، والتي تسببت بمخالفات كبيرة، وبأن الحملات التي قامت بها المحافظة منذ أعوام لم تؤد إلى وضع حدّ وحلّ جذري لمنع أصحاب المقاهي والمطاعم من استثمار الأرصفة والشوارع».
تقويض الملكية العامة
وقد تم التداول، أن القرار المذكور يشمل كل من المطاعم والمقاهي والكافتريات الموجودة في الأبنية التجارية المرخص لها أصولاً، والواقعة في المولات والمراكز التجارية والفنادق، إضافة إلى الحاصلين على الترخيص الإداري والمصنف سياحياً والمسموح لها بوضع طاولات وكراسي ضمن المحل المرخص.
بمعنى آخر يمكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يستثمر بالأرصفة على حساب المواطن وعلى حساب ما كان يسمى أملاكاً عامة، هكذا بجرة قلم من المحافظة العتيدة، بحجة عدم التمكن من وضع حدود للمخالفات، لتصبح هذه الأملاك مقوضة يوماً بعد آخر لحساب بعض المتمولين والمتنفذين من أصحاب الاستثمارات، حيث أن مجمل المحال التي يتم الحديث عنها يعتبر أصحابها من نخبة الأثرياء، أو من المحسوبين عليهم، إلا ما رحم ربي.
المحافظة العتيدة عبر قرارها آنف الذكر تؤكد بما لا لبس فيه أنها تعمل لمصلحة أصحاب الثروة وجامعيها، على حساب المواطنين وراحتهم وملكيتهم، التي يتم انتزاعها تباعاً من قبل هؤلاء وبقوننة لهذا الانتزاع عبر هكذا قرارات تشرعن المخالفة بدل أن تقمعها.
الكيل بمكيالين
سؤال يتبادر للذهن عن إجراءات المحافظة العتيدة، لماذا لم تأخذ المحافظة بعين الاعتبار قوننة واقع البسطات التي يتعيش عليها ومنها العديد من الفقراء والمحتاجين وأسرهم، أم أن لهؤلاء محافظة أخرى تنظر بأمرهم، ولماذا نرى المحافظة قادرة عند اللزوم على قمع هؤلاء، بينما تعترف بعجزها عن قمع المحال والمطاعم والكافتريات المخالفة، علماً أن قمع هذه المخالفات أسهل من قمع أصحاب البسطات، كون الأولى ثابتة بينما الثانية متحركة، أليس في ذلك ما يدعو للاستغراب، ما يفند الادعاءات بعدم الإمكانية لضبط المخالفات، ولكن شتان بين أصحاب المال ومصالحهم ومصالح فقراء الحال عند المحافظة والمتنفذين فيها، وكأن الأمر قد تعدى موضوعة الكيل بمكيالين، حيث الأثرياء هم أصحاب المحال والمطاعم تزداد ثروتهم بمعية المحافظة وقراراتها، وفقراء الحال من أصحاب البسطات يصار إلى مصادرة ما يملكوه كله إن لزم الأمر بكل يسر وسهولة، بل ويقطع مصدر رزقهم الوحيد.
المواطن ليس بالحسبان
أبناء دمشق باتوا قلقين من ممارسات محافظة مدينتهم، التي لم تعد تكترث بهمومهم ومعاناتهم، بل أصبح جل اهتمامها يتركز على تسيير أمور أصحاب الثروة، فكيف يمكن للمواطن أن يثق بإجراءات المحافظة إذا كانت تضرب عرض الحائط بمصلحته، وتفضل مصلحة هؤلاء عليه، خاصة بعد أن شهدت شوارع العاصمة ذاك التمدد والتوسع للمقاهي والمطاعم على حساب السكن والحدائق والأرصفة، المترافق مع الصمت المريب من قبل مسؤولي المحافظة، ليتضح لاحقاً بأن ما تمّ سابقاً من تغاضٍ عن استفحال ظاهرة المخالفات بهذا المجال ما هو إلا تمهيد لمثل هذا الشكل من القوننة، بذريعة عدم التمكن من ضبط المخالفات، وكأن المحافظة عاجزة عن ذلك، على الرغم من كل إمكاناتها وما يمكن أن تحصل عليه من مؤازرة عند اللزوم من قبل الجهات العامة الأخرى.
فإذا كان الوضع قبل شرعنة المخالفة لا يطاق بالنسبة للمواطنين، فكيف به بعد أن يستكمل شكله القانوني، وكيف سيكون حال المواطنين عندما تصدح تلك الشاشات التي سمح بها بالأصوات ليلاً ونهاراً، مع أصوات رواد هذه الأماكن وصخبهم، ناهيك عن الأوساخ والنفايات وغيرها من التبعات الأخرى الناجمة عن استهتار أصحاب هذه المحال بالعابرين كما بسكان المكان نفسه من المقيمين في المنازل والأبنية المجاورة والقريبة، بالإضافة إلى عدم التمكن من السير على الأرصفة التي باتت محجوزة لهذه المحال قانوناً، وبعد أن استنزفت السيارات البقية المتبقية من الأرصفة بالمدينة.