يامن طوبر يامن طوبر

ارتفاع أسعار المحروقات يلتهم الزيادات الحكومية للمنتجات الزراعية

عندما فتح أبو الغيط فمه لتسقط منه تلك الكلمات العبرية متوعدةً أهل غزة بكسر أرجلهم فيما لو فكروا بإعادة الكرّة وسمحوا للجوع أن يجبرهم لاقتحام الحدود المصرية؛ أقمنا الدنيا ولم نقعدها، من كتبَ ملأ الصفحات، ومن قرأ سب وشتم وانزاح صوب الحزام الناسف، وكان من بين الجياع من برر طبيعة السلطة وضرورات الحكم .

وفي بلادنا، تبدأ حملة تجويع للمواطنين السوريين وخاصةً لأكثرهم فقراً وهو الفلاح الذي لا حول له ولا قوة سوى الانتظار، انتظار سقوط المطر، انتظار طلوع الزرع وانتظار الموسم القادم، وهو لا ينتظر السب والشتيمة ولا يسمح لأحد بملاحقته واتهامه بالعمالة، فإذا كان فيه شيءٌ من العمالة فهي عمالته للجوع المزمن يا أصحاب الكروش، فالحكومة بقولها: (سنضرب بيد من حديد عنق من لا يمتثل لأوامرنا ويسلمنا كامل قمحه) تعلن عودتها للزمن الغابر لتقلب الحقائق وتمسخها، وتجعل من الضحية مجرماً فتنقلب الآية لتبدأ الحكاية من حيث عمق الوجع الموغل في القدم، فتعود بنا الذاكرة، ونقف وجهاً لوجه مصطدمين بالبيك الإقطاعي العتيق الذي يحمل بيده الكرباج وعلى كتفه البندقية.

في لعبة الشطَّار يبقى اقتصاد الوطن قوياً ومتيناً، والليرة الصامدة أمام قسمات وجه المواطن وتدهور حالته الاقتصادية تعلو وترتفع، حتى يكاد لا يراها سوى قلة قليلة لا تتجاوز نسبتهم عشرة بالمائة، والباقي لايحلمون بأكثر من الفلافل. 

شهادات

أبو محمد، من الحالمين بغد أفضل أو بكفن نظيف يبعده عن جوع أولاده السبعة، قبل أن أكلمه فتح النار على المازوت وغلائه وأطلق رصاصة الرحمة على الفريق الاقتصادي واصفاً إياه بالشباطي (نسبة إلى جماعة 14 شباط اللبنانية )، قال:

عندي ولدان يدرسان في أحد المعاهد، وأنا مضطر لجعل أحدهما يترك الدراسة ويفسح المجال للآخر، فليس لدي القدرة على تعليمهما معاً بسبب أجور النقل بعد رفع الدعم عن مادة المازوت وما لحقه من ارتفاع في أسعار كل شيء.

عبد الرحمن (مزارع بالحصة): كنت أعمل بالحصة قبل ارتفاع أسعار المحروقات، وكنت قد جهزت الأرض لزراعة القطن، وقبل أن يطلع المحصول من تحت التراب حكمت عليه الحكومة بالموت عطشاً، فإذا ما شغلت محرك السقاية كل يوم سأنفق 5000ل.س ثمناً للمازوت، عدا الزيت ومصاريف أخرى، فإذا حسبتها على الريَّات ومتوسط إنتاج الدونم الواحد (وهو 350كغ) ستكون النتيجة أن أموت وأسرتي جوعاً..

 كان عليهم ألا يدمروا زراعة القطن ويدمرونا معه.

علي: مستفيد من حيازة زراعية مساحتها 25دونماً، وهو لم يوزع لأبنائه شيئاً منها حتى الآن، ويبرر ذلك بأنهم مايزالون شباباً يستطيعون فعل الكثير، ويقول: الأرض لم تطعمنا خبزاً  قبل ارتفاع سعر المازوت، فكيف تكون الحال بعده؟ لقد سقينا الحنطة مرتين، والحديث هنا يدور عن أرض الغاب التي لم يسبق لنا سقايتها منذ أن عرفنا زراعة القمح، أما في أماكن خارج الغاب في (طار العلا) على سبيل المثال فهي تحتاج لأكثر من ريَّتين، فالدونم الواحد صار يكلف لمن ليست لديه عدة ري بالرذاذ حوالي 1000ل.س، فالزيادة التي جاءتنا لن تدخل جيوبنا، فقد أعطتنا إياها الحكومة باليد اليمنى لتأخذها باليسرى، أما الفلاحة فبعد أن كانت تكلف 100ل.س للدونم، أصبحت تكلف من 250 إلى 300 ل.س حسب قساوة الأرض، بالإضافة إلى سلف وتخطيط من 50 ل.س لكل عملية  إلى 125 ل.س واحسب يا حسّاب.

كثير من الفلاحين الذين حاولت التحدث إليهم  رفضوا الحديث لقناعتهم بعدم جدوى التوجه للحكومة لأنها منحازة للأغنياء وتعتبرهم عبيداً، والبعض منهم أقسم أنه لن يسلم حبة قمح واحدة للدولة إلا بعد أن تعيد النظر بقرار رفع الدعم عن المازوت، أما الآخرون من مربي الأبقار فيقولون: كيف نسلم قمحنا بسعر أقل من العلف؟ هل هذا معقول؟

إن مفاعيل رفع الدعم وآثارها ستظهر بوضوح على الفلاح بعد جني المحصول والتحضير للموسم القادم لأن كلف الإنتاج الجديدة ستلتهم ما ينتظره من غلال.

  عوائق ومنغصات:

مديونية الفلاحين للجمعيات الفلاحية هي من المعوقات التي تمنع الفلاحين من تسليم محصولهم لمؤسسة الحبوب، وخاصة الفلاحين ذوي الحيازات الصغيرة والمتناقصة من 25 إلى 3 دونمات.

أما أجور الحصاد المتوقعة لهذا العام فهي من 1000 إلى 1500 ل.س وأجور النقل إلى صوامع الحبوب قبل الغلاء كانت من 2500 إلى 3500 ل.س أما اليوم فمن المتوقع أن تصل إلى 5000 ل.س، فصاحب الحيازة الصغيرة الذي خصص 3 دنمات أو 5 لزراعة القمح- وليكن إنتاج الدونم الواحد 500كغ- كم ستكلفه أجور النقل إلى الصوامع؟ ستعمل أجور النقل عمل مثلث برمودا وتبتلع الزيادات، أما ما يقال عن مرافقة عنصر شرطة لكل حصادة ليصبح متحكما برقاب الفلاحين، فيجيب عليه أحد عناصر الشرطة (الله ما يقطع حدا إن شاء الله سأشتري سيارة هذا الموسم).

 الإجراءات القمعية لا يعول عليها، وتجربة المازوت وتهريبه ما زالت أمام عيوننا، والحل يكون بزيادة الأسعار إلى حد لا يستطيع معه المهربون أن يغامروا بتهريب القمح  لعدم الجدوى وقلة المردود قياساً لنفقات شراء الطريق من ضعاف النفوس وحراس البوابات والمعابر.