إعداد: محمد علي طه إعداد: محمد علي طه

كيف أصبحت شيوعياً؟

أعزاءنا القراء.. متابعة لسلسة لقاءات قاسيون مع الرفاق القدامى.. يممنا اليوم شطر ساحل طرطوس، وبالتحديد نحو قرية اسقبولة، تلك القرية الصغيرة الهادئة التي تبعد خمسة كيلو مترات عن البحر، القرية التي أنجبت الكثير من المثقفين، ففي الثمانينات القرن الماضي وكان تعداد سكانها لا يتعدى 400 نسمة كما يقال في الإحصاء، كان عدد الجامعيين فيها خمسة وعشرين، منهم عشرون شيوعياً وشيوعية، مما حدا بسكان القرى المجاورة لتسمية «اسقبولة» «موسكو الصغرى»، ومن عداد أولئك الجامعيين حينها الرفيق علي دباشي الذي التقيناه وكان بيننا الحوار التالي:

الرفيق المحترم أبو عمار حدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟

أنا من مواليد 1950 ومنذ صغري كنت أتردد على بيت جدي في قرية الشيخ سعد الملاصقة لقريتنا، وهناك أتيح لي أن أرى صحفاً ومجلات، فأخذت شيئاً فشيئاً أطالع عناوينها وبعض موادها، وبدأت أقرأ باهتمام أخبارها، فوجدت عالماً جديداً يشدني إليه، وخاصة تلك الصحف التي تصدرها وكالات الأنباء السوفيتية، وكان أحد أخوالي يحتفظ بنسخ كثيرة منها. كما كان للبيئة تأثيرها الكبير علي، فحولي الكثير من الشيوعيين، ومن خلال أحاديثهم وأخبارهم وجدت في نفسي ما شدني إليهم، وحتى تلك القصص الطريفة عن أحداث جرت في قريتنا ومنها ما حدثني بها أحد أقاربي، فقد قال ضاحكاً: أتعرف أن والدك عندما تقدم إلى بيت جدك بطلب الزواج بوالدتك رفضوا في البداية الاستجابة لطلبه كونه غير شيوعي، وطلبوا منه أولاً أن يصير شيوعياً كي تتم الموافقة على طلبه؟

عندما بلغت المرحلة الإعدادية انتقلت إلى طرطوس وسكنت في بيت عمتي، وكان زوجها شيوعياً، وعنده تابعت قراءة صحيفة «نضال الشعب» لمدة سنتين دون أن يعرف.. هذه الصحيفة أسهمت بشحني بالحماس وأنا أتابع أخبار النضال ضد الإقطاع والرجعية والاستغلال. وفي المدرسة تعرفت على رفاق شيوعيين أذكر منهم محمد عنتر ومحمود حمصية وآخرين من «صايا» و«المتن» و«بديره».

وفي عام 1968 انتسبت إلى صفوف الحزب، وكنا حينها نتبادل في المدرسة جريدة الحزب ضمن جلدة الكتاب.

وقد اندفعت بكل نشاط وحماسة في العمل الحزبي، وانتخبت عضواً في لجنة فرعية في المدينة وكان المسؤول عنا الرفيق هزيم هزيم ثم الرفيق محمود عيسى والرفيق عيسى خوري.. ومن الرفاق الذين عملت معهم الرفيق محمود زغبور حيث غطى نشاطنا منطقة واسعة حتى قرى نهر قيس. لقد أوجدنا في قريتنا حالة اجتماعية سياسية ثقافية يضرب بها المثل في كل القرى المجاورة وحتى المدينة، ومن أعمالنا التي أنجزناها توسيع طريق الضيعة ومد شبكة الكهرباء والمياه وبناء المدرسة وإنشاء فريق كرة القدم، وذلك بالتعاون مع الرفاق البعثيين والأصدقاء المستقلين من أبناء القرية. ومن الذكريات التي ما زالت في خاطري ذكرى أحد الرفاق الشيوعيين من أقاربي، وكان أمياً يساعده الرفاق بقراءة الجريدة والبيانات الصادرة عن الحزب.. وكنت صغيراً وقرأت له أحياناً بعض ما كتب في الجريدة، وكنت وقتها لا أعرف «محتوى» ما أقرؤه له. ويروى عن هذا الرفيق أنه في عام 1958 حين شعر بخطر تعرض الرفاق للملاحقة والاعتقال، أخفى كل ما كان في بيته من أدبيات وصحف الحزب، وبعد خمسة وعشرين عاماً وبينما كان بعض المواطنين يعملون على جمع الحجارة من «الرجم» الموجودة في الأراضي لردم الطرقات وجدوا جرة فخارية مطمورة وبداخلها منشورات حزبية وكان قد خبأها ذلك الرفيق الذي رحل عنا وقد ناهز السادسة والثمانين من عمره.

وفي عام 1972 سافرت إلى تشيكوسلوفاكيا بمنحة دراسية أمنها لي الرفاق وعلى حسابي وتخرجت من الجامعة بشهادة ماجستير بالعلوم الزراعية. وعدت إلى الوطن لأعمل في مؤسسة العامة للدواجن، ومازلت حتى اليوم أعمل بها. ونتيجة للخلافات والانقسامات التي تعرض لها الحزب والتي تركت أثراً سلبياً في نفسي ابتعدت عن التنظيم، لكنني لم أبتعد فكرياً عن الحزب، وبقي سلوكي في العمل والمجتمع على أساس انتمائي الفكري، وفي الفترة الأخيرة تعرفت على صحيفة قاسيون، وأنا أتابعها بكل الاهتمام، وأكبر أمنياتي أن يصبح الحزب موحداً..

على كل شيوعي أن يعمل بكل جدية وإخلاص لتحقيق هذا الهدف الكبير، وأعتقد أن على كل رفيق، ووفق انتمائه، أن يظهر الوجه الحقيقي للحزب في التزامه وعمله ومجتمعه..

أحيي كل الرفاق وأشد على أياديهم.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:13