هل الجفاف هو المسؤول الوحيد عن ضرب القطاع الزراعي؟!
لم تجد الجهات الوصائية سبباً لتراجع القطاع الزراعي سوى في موجة الجفاف التي ضربت سورية خلال الموسم الزراعي لأعوام 2007 و2008، وانخفاض معدلات الأمطار، وهذا ما انعكس سلباً على الإنتاج الزراعي، وأدى إلى انخفاض الإنتاج وتراجع الزراعة بشكل عام، حيث انخفض إنتاج القمح من أربعة ملايين وسبعمائة ألف طن إلى مليوني طن، ومن ثم إلى 600 ألف طن، وأيضاً تراجع إنتاج الشعير من مليون وثلاثمائة ألف طن إلى 250 ألف طن، هذا فضلاً عن تهديد الزراعات المحمية والثروة الحيوانية بسبب انعدام الغطاء النباتي في البادية السورية.
الجفاف إذاً هو المسؤول الوحيد... ولكن إذا افترضنا أن السنوات القادمة ستجيء جافةً بدورها، فهل يعني هذا إنهاء القطاع الزراعي، والثروة الحيوانية؟!!
يبدو أن الجهات الوصائية تنتظر سنوات جفاف أخرى لإنهاء القطاع الزراعي، بعد أن تركت القطاع العام الصناعي للموت البطيء، تماشياًُ مع الانفتاح واقتصاد السوق الليبرالي!!
وإذا كان الجفاف قد ضرب القطاع الزراعي، فلماذا يتم ضرب الزراعات المحمية؟
الجواب واضح تماماً، ويتمثل في اتفاقيات عقدت مع دول عربية وغير عربية تسمح بإغراق السوق السورية بالخضار والفواكه، دون أية حماية للإنتاج المحلي، ودون فرض رسم إغراق على هذه السلع المستوردة، والمستفيد أولاً وأخيراً من ذلك هم السماسرة والتجار، على حساب المنتج، وبدلاً من تحفيز مزارعي الزراعات المحمية من خلال تقديم تسهيلات لهم تتعلق بالبذار والأسمدة والقروض، من أجل المنافسة مع المستورد، اتخذت إجراءات معاكسة تماماً تمثلت بتخفيض كميات الأسمدة، إلى ما دون ربع حاجة الفلاحين إليها، لذلك اضطر المزارع إلى الشراء من السوق السوداء، وبأسعار مرتفعة أيضاً، هذا فضلاً عن ارتفاع أسعار المستلزمات كافة من البذور والبلاستيك إلى الوقود، و التوقف عن منح القروض الزراعية بقرار من اللجنة الاقتصادية، وذلك بسبب «عدم الجدوى الاقتصادية» و«انعكاسات الزراعات المحمية السلبية على البيئة» حسب تعبيرها، علماً أن عدد البيوت البلاستيكية المستثمرة فعلياً وصل إلى حوالي /114767/ بيتاً، ويقدر إنتاجها السنوي بحوالي /557655/ طناً، وتشكل زراعة البندورة ما نسبته 82% من هذه الزراعات.
القضية الأساسية التي كنا نشير إليها طيلة السنوات الماضية، هي انعدام التكامل بين القطاعين الزراعي والصناعي، وفقدان التنسيق بين الحلقات الإنتاجية والتسويقية، وعدم وجود إستراتيجية لزراعة وتسويق المنتجات الزراعية. وإذا كنَّا سابقاً نتحدث في هذا الاتجاه، فأن الحديث اليوم بهذا الخصوص لم يعد مجدياً أمام سياسات الفريق الاقتصادي، الذي يريد أن يحول سورية إلى بلد خدمات وترانزيت وعمولات، متجاهلاً بأن الزراعة هي من أهم القطاعات الاقتصادية في سورية، نظراً لأن مشكلة الغذاء والأمن الغذائي تعتبر من أهم القضايا التي تقلق بال جميع المخططين وراسمي السياسات الاقتصادية في مختلف إنحاء العالم.
وقد طرحت آراء وأفكار هامة خلال السنوات الماضية من المنظمة الفلاحية، ومن المؤتمرات العمالية، أكدت على توحيد جهة الإشراف على القطاع الزراعي، تفادياً لتبعثر الجهود وضياع المسؤولية، ولم يلقَ هذا التأكيد آذاناً صاغية، فأبلغ صورة نراها تتكرر أمامنا سنوياً هي ما يجري بالنسبة لمحصول الشوندر السكري، حيث يتم تبادل الاتهامات بين وزارتي الزراعة والصناعة حول أسباب تدني حلاوة المحصول التي لا تصل إلى أكثر من 12 ـ 13%، في حين تصل في بلدان أخرى إلى 22%، وإذا كان تصنيع الشوندر من مسؤولية وزارة الصناعة، وزراعته من اختصاص وزارة الزراعة، فمن المسؤول عن تدني مستوى الحلاوة؟!!
ومن توصيات المؤتمرات العمالية والفلاحية أيضاً تطوير آلية العمل في التخطيط الزراعي والإحصاء الزراعي، باستخدام نظام الموازين الاقتصادية التي توازن بين الموارد الفعلية والاستخدامات، مع مراعاة صيغة التكامل الاقتصادي مع البلدان العربية، وخاصةً المجاورة منها، مع تطوير طرق الري وشبكاته، وتطوير مشاريع الري القائمة، واستثمار الموارد المائية الضائعة، مع معالجة هجرة قوة العمل الزراعية عن طريق تحسين ظروفها الاقتصادية، والعمل على إيجاد توازن في دخول العاملين في القطاع الزراعي،
ففي العام الحالي والعام السابق اشتدت الهجرة من المناطق الشرقية، لينضم المهاجرون إلى قوافل العاطلين عن العمل في دمشق.
وأيضاً واقع الأسعار الرسمية والحرة للمنتجات الزراعية، لا يعتبر من العوامل المشجعة على الإنتاج ،إن لم يكن معيقاً له في أكثر الأحيان، وذلك لعدم وجود سياسة سعريه ثابتة ومستقرة ومتناسقة في آن واحد، أو منسجمة مع الأسعار الخارجية.
جملة هذه القضايا والطروحات ظلت بعيدة عن الجهات الوصائية، وجاء الانفتاح واقتصاد السوق ضربة قاصمة لقطاعنا الزراعي، الذي كان حتى فترة قريبة أحد أهم أعمدة الأمن الغذائي والصمود الوطني.