«مخالفات البناء» تنهار على رؤوس الفقراء
أزعم أن أي قانون أو قرار لا يصدر عن الجهات التشريعية إلا بعد دراسة وتأن من الجهات الوصائية، وكل ذلك بهدف تحقيق العدالة ومقاربة هموم ومشاكل المواطنين ليحلها بما يتناسب مع ارتفاع مستوى وعيهم ودخلهم..
وإن كانت خصوصية قوننة أوضاع مخالفات البناء تهدف إلى وضع أرضية فنية سليمة للنهوض بالوطن ووضع أسس علمية وتنظيمية حضارية له، إلا أن أي جانب منه يبقى معلقاً، سيبقى ينخر في جسم الوطن حتى يوضع له الحل الصحيح، أي وضع القاطرة على السكة.. وحتى ذلك الحين ستبقى معاناة شاغلي مخالفات البناء قائمة.
وإذا القينا نظرة على المسار التاريخي لهذه المشكلة، نجد أن المطبق في معالجة مخالفات البناء كان القانون رقم /44/ لعام 1960، وذلك حتى صدور القانون رقم /1/ لعام 2003 الذي سمح في مادته الثالثة للمجالس المحلية بالتسوية لما لم ينص عليه بالهدم، لكن التعليمات التنفيذية رقم /1/ صادرت هذا الحق، وطلبت تشكيل فرق عمل مختصة على مستوى المكاتب التنفيذية في المحافظات وكافة المجالس والبلديات لحصر وتوصيف المخالفات الواقعة ضمن حدودها في أقصر وقت ممكن، ولكن لا حصر تم ولا توصيف. ثم صدرت التعليمات التنفيذية رقم /2/ لعام 2003 والذي أكد وزير الإدارة المحلية عند تعميمها على تقيد الوحدات الإدارية بحصر المخالفات وتوصيفها والإعلان على المواطنين بالتصريح عن المخالفات ضمن المدة المحددة، وكذلك لا حصر تم ولا توصيف، واستمر جمود هذا القطاع إلى أن صدرت التعليمات التنفيذية العامة في الشهر الأول من عام 2006 التي ألغت التعليمات رقمي /1 و2/، وفتحت الباب أمام المجالس المحلية لتسوية المخالفات، وصدرت القرارات من الوحدات الإدارية بتحديد المخالفات القابلة للتسوية، وحددت المنفعة حسب الوحدة الإدارية وموقع المخالفة وبشكل معقول تتناسب عملياً مع قدرة المخالف على تسوية وضع المخالفة، إلى أن صدر القرار 66/ن في 13/4/2008 ليوجه الضربة القاضية لمعالجة مخالفات البناء بفرض مبالغ خيالية لتسوية هي عملياً في حدها الأدنى لا تقل عن 30000 ل.س للمتر المربع الواحد لأبعد قرية في سورية، حيث يمكن أن يكون قيمة المتر المربع للأرض لا يتجاوز 100 ل.س، مما يعني انتكاسة عملية لتسوية المخالفات القائمة وعدم إمكانية تسويتها، وترك الأمور معلقة أو الزج بأصحابها في السجون أو هدمها فوق رؤوسهم وتشريد آلاف الأسر.
ونشير إلى أن السيد وزير الإدارة المحلية عند قدومه ضمن اللجنة الوزارية في أوائل الشهر العاشر من عام 2008 إلى محافظة الحسكة، أنكر الأرقام السابق ذكرها بخصوص المخالفات، وادعى تهرباً: «إنكم تجهلون تطبيق المعادلة الخاصة بذلك»، وحتى تاريخه لم يبين ما هو الصواب مع إصرار أجهزة الإدارة المحلية على تطبيق ما ذكرناه.
ولابد من الإشارة إلى ما يعتبر في تحديد الوثائق التي تثبت قدم المخالفة من توفر إما تصريح عن المخالفة أو ضبط، فإن كان الشق الأول المتعلق بالتصريح يقع على كاهل المواطن ومواطننا لم يتعود ولم نعوده على التصريح بالمخالفة، فأين مسؤولية الإدارات المحلية قاطبة بعدم ضبط المخالفات وتوصيفها منذ أن صدر القانون رقم /1/ في 2003 لتكون المستند في تحديد قدم المخالفة؟.
بعد كل ما تقدم ندعو لنظرة فاحصة لتأمل الوضع القائم بقلب وعقل منفتحين وتسوية كل ما هو قابل للتسوية وبأسعار معقولة يراعى فيها المناطق وأهميتها السعرية، لتجاوز الوضع القائم والتأسيس لوضع جديد يسود فيه القانون /59/ لعام 2008 وتنتفع البلديات بحجم مادي كبير انقطع عنها منذ سنة.