فلاحو بلدة «نهر البارد» يعترضون.. ويكسبون جولة!

النتيجة الأولية للبرودة المتزايدة التي تطبع العلاقة بين أهالي بلدة «نهر البارد» والجهات الرسمية في محافظة حماة، هو أن القسم الأعظم من أراضي هذه البلدة بات متصحراً، والبقية الباقية آيلة إلى المصير ذاته، إذا أخذنا بعين الاعتبار انتفاء الظروف المناسبة للزراعة والذي نتج عنه عزوف الناس عن مهنتهم التاريخية، وبدء اعتماد بعضهم في تحصيل رزقهم على المقاصف الشعبية..

فمع تزايد الجفاف المترافق مع ارتفاع الطلب على مياه الشرب، أخذت البلدة تفقد طبيعتها بالتدريج، خصوصاً بعد الإمعان باستجرار مياه الشرب بطرق مجحفة، حيث راحت البيئة تخسر ثوبها الأخضر متحولة إلى شبه صحراء.. وبعد أن كان نهر البارد يروي ما يزيد عن 15000 ألف دنم، صار يروي 300 دنم فقط، ولسوء تقدير العواقب الاجتماعية والاقتصادية على أهالي نهر البارد والقرى المحيطة بها، زادت المحافظة نسبة استجرار مياه الشرب من نبع نهر البارد من 600 م3 بالساعة إلى 800 م3، علماً أن نسبة كبيرة من مياه النبع موسمية شتوية تضعف بتوقف هطول الأمطار، وهذا ما دفع الأهالي للاعتراض مرات عديدة، لكن دون جدوى، إلى أن جاء يوم الثلاثاء 10/3/2009 حيث وقعت مواجهة بين الجهة المنفذة وآليات الحفر المصحوبة بعشرات العناصر من قوى الأمن الداخلي، وبين أهالي البلدة الذين تصدوا لهم ومنعوهم من تنفيذ المشروع، إذ وقفوا صفاً واحداً أمام السيارات والعناصر ومنعوا آلات الحفر عن العمل وراحوا يصرخون: «لن تأخذوا الماء ونحن أحياء.. نموت الآن خيراً من أن نموت غداً جوعاً»..

ما حدث جاء ليؤكد انعدام الثقة بين الجانبين، فالمحافظة كانت قد أكدت أنها عدلت عن تنفيذ المشروع بناء على اعتراضات أهل البلدة، وقد ثبّت ذلك محضر اجتماعها في 4/9/2008 الذي ترأسه محافظ حماة بحضور كل من عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة والخدمات ومدير الموارد المائية بحماة ومدير عام مؤسسة المياه وأمين فرقة نهر البارد ورئيس البلدية، حيث جاءت إحدى القرارات لتؤكد الموافقة لمؤسسة المياه على متابعة تركيب خط بديل للخط القديم فقط، وليس زيادة عمليات الضخ، غير أن الأهالي عدّوا ذلك مناورة مكشوفة، ليقينهم أن الخط القديم يعمل بشكل جيد، وما الغاية من تركيب خط جديد إلا زيادة ضخ كمية المياه ووضعهم أمام الأمر الواقع..

قاسيون التقت عدداً من المواطنين من أهالي بلدة نهر البارد واستوضحت آراءهم..

رئيس جمعية نهر البارد راكان حمّاد: «المياه الموجودة حالياً هي مياه النبع الشتوي، وهو ما ضلل المسؤولين وأغراهم بمتابعة المشروع.. هذا النبع كان يروي 10000 دنم قبل إنشاء المشروع عام 1983، وبعد أن قامت مؤسسة المياه باستجرار 80% من مياه النبع مبقية 20% لسقاية البساتين والأراضي المحيطة بها، انخفضت المساحات المروية إلى 1500 دنم، ثم إلى 300 دنم فقط، علماً أن الـ20% من المياه المتبقية في ذروة سقاية الموسم تجف صيفاً لدرجة يمكن معها للفلاح قطع النهر حافي القدمين دون أن يتبلل!!

المواطن محمد حري يقول: مجتمع بلدة نهر البارد يعيش على الزراعة بنسبة 95%، لكن في ثمانينيات القرن الماضي تم استجرار مياه نهر البارد لإرواء مجموعة بلدات وقرى وتجمعات سكنية تجاوزت الـ40 تجمعاً، مما أدى إلى نقص المياه المستخدمة لإرواء الأراضي الزراعية بشكل حاد. ونظراً لعدم وجود مياه بديلة من السدود صارت أراضينا بعلية بنسبة أكثر من 90%. وفي العام الحالي علمنا أن مؤسسة مياه الشرب عازمة على تنفيذ خط مياه جديد على نبع النهر المذكور، وقي حال تم التنفيذ فإن المياه الموجودة في النبع لن تكفي المشروع نفسه، ونحن أيضا لن نستطيع أن نروي دنم أرض واحداً، وهكذا يكون الضرر عاماً لأن المشروع سيفشل وأراضينا ستبقى دون زراعة..

المواطن علي: استنزاف مياه النبع أدى إلى تصحر 15000 ألف دنم تابعة لعدة جمعيات زراعية.. ومجرى نهر النهر في أشهر الصيف يصبح جافاً تماماً، لتبقى مياه الصرف الصحي التي تصب في النهر مع روائحها الكريهة.. لا يحق لأحد تجفيف مجرى أي نهر، ويجب ترك نسبة 40% من المياه المتدفقة في مجرى النهر.. خزانات مياه السقاية المزمع إقامتها في سهل الغاب لا يستفيد منها أهالي بلدة نهر البارد والقرى المحيطة بها، وفيما لو أنشئت هذه الخزانات ستلتهم 1400 دنم من أخصب الأراضي الزراعية والأفضل لو تقام في منطقة قنية الواقعة بين منطقة نهر البارد وجسر المسيِّل، حيث يوجد خزان طبيعي ولا يحتاج إلا لبعض الإضافات الفنية.

ويقول أحد المواطنين: الآن يوجد ثلاث مضخات عاملة على مدار 24 ساعة تضخ الواحدة منها من 200 إلى 250 م3/سا، حسب قياس عام 2005، ونظام التقنين يطبق على القرى المستفيدة من المشروع، ويوجد في بلدة نهر البارد أحياء عطشى لاتصلها المياه، أما باقي الأحياء فيطبق عليها نظام التقنين 12ساعة يومياً. ويضيف: جرت محاولات عدة للتحدث مع المواطنين وإقناعهم بالتخلي عن معارضة تنفيذ المشروع إلا أن المواطنين يرون القصية قضية حياة أو موت.

المواطن نصر أبو راتب: تحدثنا إلى الجهات الرسمية وقلنا لهم: أمّنوا لنا فرص عمل وخذوا الأراضي مع مياه النبع وفي الحقيقة (لولا البامية وزراعتها لمتنا من الجوع وسرحنا عالشحادة).

المواطن صالح أحد العاملين في مجال السياحة يستثمر مقصفاً شعبياً يقول: يوجد أكثر من عشر أسر تستفيد من هذه المهنة, في الصيف تجري ساقية مياه في مجرى النهر تجتذب السياح وتؤمن لنا مصدر رزق، فأين سنذهب في حال جفت هذه المياه؟؟ كان على المسؤولين أن يفكروا بمصير هذه الأسر قبل أن يتخذوا مثل هذا القرار وكلنا أمل ألا يعاودوا الكرة مرة أخرى.

ونتيجة لما حدث يوم 10/3/2009 اجتمع المحافظ مع فعاليات المنطقة يوم الخميس في 13/3/2009 بحضور مدير مؤسسة المياه في حماة وأعضاء مجلس الشعب الذين يمثلون المنطقة في المركز الثقافي في مدينة السقيلبية، وتماشيا مع الواقع الجديد الذي فرضه الأهالي أكد المحافظ أن المشروع قد ألغي..

■ يامن طوبر

آخر تعديل على الإثنين, 01 آب/أغسطس 2016 13:43