مديونية الفلاحين للمصرف الزراعي تهدد الزراعة بالانهيار

يقول المثل إن التاجر الناجح يدفع التسعة ليحصل على العشرة، أما المصرف الزراعي، فيفرّط بالعشرة وهو يحاول أن يسترد واحداً، رغم يقينه أن الفلاحين غير قادرين على دفع هذا الواحد.. والمقصود بالعشرة إنتاج موسم كامل، إذ يصبح هذا الموسم مهدداً بالانحسار، دون أن يكون للمصرف نصيب منه، حارماً بذلك دعم اقتصادنا من هذه الكميات، وحارماً الفلاحين من الاستمرار في زراعة أرضهم والعيش منها وفيها.

إن من بين التحديات التي واجهت العمل الزراعي في محافظة الحسكة مواسم الجفاف التي مرت بها المحافظة، ومديونية الفلاحين لتلك المصارف، ومما ترتب على الفلاحين من أعباءً مادية كبيرة نتيجة استجرارهم للقروض التي لم يكن بمقدورهم تسديدها في أوقاتها ويرون وجوب إعادة النظر بجدولتها، إما بإلغائها وهذا ما يتمناه الفلاح في هذه المحافظة وفي هذه الظروف، أو بتقسيطها لعدة سنوات كي يتمكنوا من تسديدها، مع إعفائها من الغرامات والفوائد والإبقاء على رأس المال فقط، وذلك تسهيلاً على الفلاحين وضماناً لتحصيلها.

 ففي المصرف الزراعي التعاوني بعامودا، تم حرمان أكثر من 270 مزارعاً وفلاحاً يستثمرون أكثر من عشرة آلاف هكتار من الأراضي ضمن منطقة الاستقرار الأولى (والتي تعد من المناطق الأكثر خصوبة وإنتاجاً من استحقاقات ومستلزمات الإنتاج الزراعي للموسم 2008-2009) بحجة مديونتهم للمصرف، وتحويلهم للقضاء لأسباب تتعلق بإساءة الأمانة أو عدم الملاءة المالية، رغم القرارات التي صدرت من اللجنة الوزارية التي ترأسها السيد محمد الحسين وزير المالية وبتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد للوقوف على أهم المعوقات والصعوبات التي تواجه القطاع الزراعي في الحسكة، والذي أكد في حديثه الجماهيري مع الفلاحين بتمويل الجميع بغض النظر عن المديونية (كلمة عامة بدون تفسير)، وحديث السيد وزير الزراعة بالموافقة على تمويل المزارعين من المصارف وحزمة القرارات التي صدرت عن اللجنة بعد أخذ ورد مع الجهات المعنية حول إيجاد الحلول السريعة والطويلة الأمد لمشكلات الزراعة في المحافظة ودعم الحكومة لهذا القطاع بكل إمكاناتها. إلا أن تلك القرارات لم تنطبق على أغلب الفلاحين، بمن فيهم فلاحو ومزارعو عامودا، وتم توقيف تمويل 270 منهم كلياً، ولم يمولوا نتيجة للقرار الصادر من السيد وزير المالية والذي نص على التمويل بغض النظر عن المديونية المستحقة الأداء، وجاء في النص أن هذا القرار لا يشمل المحالين للقضاء بجرم الاختلاس والإساءة للمال العام, وهذه الحالة طبقها المصرف الزراعي على المزارعين الذين ثبت عليهم حصولهم على مواد زائدة عن جدول الاحتياج المعمول به لدى المصرف الزراعي بموجب قرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي حققت آنذاك في موضوع التجاوزات والمخالفات التي ارتكبها موظفو المصرف السابقون المصروفون من الخدمة، مع العلم أن الموضوع لا يزال منظوراً أمام القضاء، ولم تصدر أية نتائج لتلك التحقيقات حتى يُعمَل على لصق تهمة الاختلاس بالمزارع، والقاعدة تقول المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وقد قدم العديد من أولئك الفلاحين الشكاوى لدى لجنة التفتيش بعدم استجرارهم لتلك الزيادات، وطلبهم اعتبارها ذمماً شائبة وغير محققة، واعتبارها ذمماً محققة على الموظفين الذين سولت لهم أنفسهم بالتلاعب بأضابير الفلاحين ولمصالحهم الشخصية، وتركوهم تحت وطأة تلك الديون التي تراكمت منذ العام 2000، وأصبحت أضعافاً  بسبب تراكم الفوائد ورسملتها، مع العلم أن استجرار مواد زائدة عن جدول الاحتياج لا يدخل في نطاق تطبيق قانون أو نص الاختلاس.  ولعدم مقدرتهم على التمويل الذاتي، بقيت معظم أراضيهم بوراً، أو اضطروا لتأجيرها  للآخرين مكرهين. وهم في حيرة من أمرهم يتساءلون: أين تلك الوعود؟ وكيف لهم أن يسددوا تلك الديون المتراكمة التي أثقلت كاهلهم، ومعظمهم حفروا آباراً ارتوازية، ويعلم الجميع ما تتطلبه تلك الآبار من مصاريف، ناهيك عن البذار والأسمدة؟

 كما تم حرمان عدد من هؤلاء الفلاحين بحجة عدم توفر الملاءة المالية  فيهم حيث يتجاوز مجموع ديونهم ملاءتهم المالية، وهي تعني مجموع إمكانيات طالب القرض والتي توضح في بطاقة الاستعلامات التي ينظمها له فرع المصرف الزراعي المعني، حيث تشمل الملاءة المالية قيمة الأراضي الزراعية التي يملكها طالب القرض وقيمة الآلات الزراعية والآليات والمحركات، وقيمة حصته من الإنتاج المرتقب، بالإضافة إلى قيمة العقارات التي يملكها والمتوفر فيها وثيقة )عندما يتجاوز مجموع ديون طالب القرض أي المتعامل  «أصالة وكفالة» مجموع ملاءته المالية فلا يمكن منحه قروضاً جديدة.

كذلك لا يعتبر المصرف الزراعي الأراضي التي يستثمرها الفلاح والآيلة إليه بموجب إقرارات المحكمة وأراضي وضع اليد وإيجار أملاك الدولة والانتفاع، ضمن قرار الملاءة المالية، سوى الأراضي المملوكة بموجب سند تمليك أو حصر إرث قانوني أو قرار حكم قطعي، وهذا ما لايتوفر لدى أغلب الفلاحين في المنطقة. ويأتي موضوع رسملة الفوائد حسب نظام المصارف والتي تم تطبيقها على المصرف الزراعي ليزيد الطين بلةً ويثقل كاهل الفلاح العاجز عن تسديد التزاماته بسبب تراكم رأس المال المستحق وعدم معرفته ووعيه لمفهوم  ونظام رسملة الفوائد  أساساً, من حيث أن المصرف الزراعي يخضع لقرارات مجلس النقد والتسليف في مصرف سورية المركزي، والذي يخضع بدوره لنظام مجلس النقد والتسليف العالمي, وبناء عليه فإن الفوائد تحتسب في /28/2، و31/8/ من كل عام بحسب قرارات مجلس النقد والتسليف, وفي حال عدم تسديد الفوائد في التاريخين المذكورين /ترسمل/ وتضاف إلى جملة الدين /الرأسمال/ بحيث في التاريخ اللاحق للرأسمال تحتسب فائدة الرأسمال الأصلي  زائداً الفوائد المرسملة في التاريخ السابق , ناهيك عن أن الفوائد المرسملة وغير المسددة في تاريخ الاحتساب تخضع أيضاً لفوائد وغرامات التأخير, وحيث أن الفلاح لا يتوفر لديه السيولة النقدية في التاريخين وعدم وعيه المصرفي لنظام الرسملة كما قلنا سابقاً يبقى غير قادر على التسديد في المواعيد المحددة وبذلك تتراكم الديون ويبقى عاجزاً عن تسديده ككتلة دين كبيرة.

أمام كل هذه الصعوبات التي تواجه هؤلاء الفلاحين والمزارعين وقد أغلقت أمامهم كل السبل الكفيلة بإخراجهم من محنتهم ونظراً لموجة الجفاف التي عصفت بمحافظة الحسكة في المواسم الأخيرة، نستطيع اتخاذ الإجراءات الإسعافية، وذلك بالتوازي مع اتخاذ إجراءات جدية، ونترك للجهات المعنية تخيل الآثار الاجتماعية المترتبة على ذلك، فنبل النوايا لا يكفي لمواساة آلام الفلاحين في الحسكة، ومن يتحمل السياط يعد الجلدات خيراً من العداد .

 على الجميع التكاتف لمحاولة الوصول لحلول إسعافية تسمح بالحد من تأثير ذلك بغية تغير الأحوال وتنشيط الحراك الاقتصادي من جديد بالمحافظة على الزراعة والفلاحين والأمن الغذائي.

■ الحسكة - ج.خ

آخر تعديل على الجمعة, 29 تموز/يوليو 2016 18:08