دمشق.. غيمة ضبابية من الدخان الأسود بلا علاج؟
لم يعد من المستغرب هذه الأيام القول إن تلوث الهواء أصبح من المشاكل المزمنة التي باتت تعاني منها مدينة دمشق بدرجات خيالية مخيفة تفضحها الأرقام، تفوق معايير ومعدلات الصحة العالمية، خصوصاً عندما نعلم أن نسبة تزايد الأمراض السرطانية في سورية /20%/ أي حوالي /17000/ حالة جديدة كل عام، ناهيك عن أمراض الربو والتهاب القصبات والسعال وأمراض العين والتحسس التي تنتشر بواسطة الهواء الملوث في كل مكان، الهواء الممتلئ بغازات أكسيد الآزوت وثاني أكسيد الكبريت وأحادي أكسيد الكربون وكلها مواد كيميائية تؤثر بشكل قاتل على حياة الإنسان، وتؤدي به إلى الموت البطيء. فالهواء الذي لا يستطيع أن يحيا من دونه الإنسان صار سبباً رئيسياً لأذيته في كل مكان وجد فيه، بعد أن أصبح الضباب الدخاني الأسود يشكل غيمة سوداء تغطي العاصمة دمشق إلى درجة تكاد تسد الأنفاس، ما جعلنا نطرح الأسئلة على سكان مدينة دمشق، الضحايا الأساسيين لهذا الهواء، وعلى الجهات المختصة بالإضافة إلى الجهات الرقابية والمسؤولين عن حماية هواء دمشق. فهل بيئتنا بخير؟ أم أنها تشيخ وتتدمر نتيجة الملوثات البيئية الكثيرة، والتي تجري محاربتها بطرق بدائية، وفي كثير من الأحيان من وراء المكاتب وبطرق مؤقتة فقط، ودون التطرق إلى المسببات الرئيسية؟ ولماذا التقصير في التدخل الفعال لوزارة الدولة لشؤون البيئة، كونها المسؤول الأول عن حل هذه المشكلة؟ وأن المشاركة مطلوبة من جميع الجهات المعنية من أجل الوصول إلى الحالة المستقرة.
لقد أصبحت حالة البيئة مشوهة ومملؤة بالكثير من الملوثات والأمراض التي تنخر العظام وتحفر في الصدور إلى درجة الموت. ويبقى السؤال الأكثر جدية وإلحاحاً ما نوعية الهواء الذي يتنفسه سكان مدينة دمشق؟ وعندما نبدأ علينا أن نعلم وللأسف معنى كل رقم بيئي مذكور وآثاره المستقبلية على صحة المواطن والمجتمع بشكل عام، فقد أصبح من الضروري أن نعلم أن الهواء الذي يستنشقه الفرد يومياً والذي يصل رئتيه ودمه ملوثاً وبنسبة /100%/، فحاجة الإنسان للهواء تعادل أربعة أضعاف حاجته إلى الماء والغذاء وخصوصاً في مرحلة الطفولة حيث يستنشق الطفل في سنوات عمره الأولى حوالي /25/ ليتراً من الهواء يومياً وهذا ما يجعله أكثر عرضة للأمراض البيئة والتنفسية والتي هي النتيجة الطبيعية لارتفاع نسب الملوثات المنتشرة في الهواء، وخصوصاً في مناطق الميدان والبرامكة والقابون والدباغات، ولعل الأمثلة هي خير دليل على ذلك حيث بلغ تركيز:
أكسيد الآزوت في هواء دمشق /122/ ميكروغرام/م3، بينما المعايير المسموح بها في المنظمة العالمية هي /40/ ميكروغرام/م3.
تركيز غاز ثاني أكسيد الكبريت هو /96/ ميكروغرام/م3، والمسوح به في المنظمة العالمية هو /50/ ميكروغرام/م3.
أما بالنسبة للغبار والعوالق في هواء دمشق /418/ ميكروغرام/م3، بينما المعايير المسموح بها في المنظمة العالمية هي /90/ ميكروغرام/م3.
ومما يزيد من نسب التلوث والمنغصات البيئية في دمشق:
ارتفاع عدد آليات النقل.
تفاقم مشكلات الاختناقات المرورية.
طبيعة مدينة دمشق متزايدة التصحر وغياب المساحات الخضراء
بالإضافة إلى التخطيط العمراني العشوائي لمدينة دمشق.
ما يجعل هواءها يتلوث بمختلف الملوثات التي يصعب كنسها، فشوارع مدينة دمشق تتميز بأنها ضيقة منعدمة المسطحات الخضراء والأشجار تقريباً، ولا تراعي مبدأ البعد المناسب عن المدن الصناعية، ويزيد على ذلك التركز الصناعي الخاطئ والتجمع السكاني الخاطئ وعدم القدرة على ضبط وسائل النقل والباصات وكثرة السيارات ونوعية الوقود الرديء المستعملة. وبناء على ذلك لابد من وجود رقابة صارمة في تطبيق القوانين الناظمة لحماية البيئة، من الصناعة ووسائل النقل. ويجب العمل على وجود تشاركية واضحة بين وزارة الدولة لشؤون البيئة وجميع الجهات المعنية مع تفعيل دور المواطن من أجل الحصول على هواء نظيف نقي يتمتع به كل مواطن، فهذا أبسط حق لكل إنسان مثل حق الحياة!