مياه الشرب في دمشق أزمة موارد أم توزيع؟
تعيش عديدٌ من أحياء الأطراف في العاصمة دمشق حرماناً مزمناً من مياه الشرب، من داريا إلى جرمانا إلى حرستا إلى غيرها من المناطق التي يقطنها مئات آلاف المواطنين. ويمكن القول إن العمل على تأمين مياه الشرب أصبح الشغل الشاغل لهذه الجموع، إذ لا تصلح المياه التي تصل إلى المنازل في هذه المناطق إلا للاستخدام العادي في التنظيف وسوى ذلك.
تتلخص الأسباب المعروفة والمعلنة لمشكلة مياه الشرب في دمشق في عدة عناصر متداخلة، تبدأ من تلوث المياه الجوفية لأسباب مختلفة، وتمر في تناقص المخزون المائي في البلاد بوجه عام المترافق مع زيادة الضغط السكاني على العاصمة، وتنتهي بسوء شبكات المياه، وما تسببه من فاقد كبير. وبعيداً عن هذه الأسباب، وعن تكرار الحديث عن عشرات المشاريع الممولة محلياً وأجنبياً لحل هذه المشكلة دون أية نتائج ملموسة، نجد أن أغلب المقاربات لهذا الأمر تتمثل في توجيه المواطنين لتخفيف هدر المياه، وفي محاولة التنصل من مسؤولية الجهات العامة عن هذه المشكلة فيما يخص مناطق السكن العشوائي المخالف، إضافة إلى تحميل الجفاف وتناقص المخزون المائي والتلوث المسؤولية عن هذه المشكلة.
وأول ما يقال في هذه المقاربات، إن مئات آلاف المواطنين يحصلون على مياه الشرب بوسائلهم الخاصة، وهذا يعني باستنتاج أولي أن ثمة مياهاً صالحةً للشرب فائضة في مكان ما، وأن الجهات الرسمية مقصرة في إيصالها إلى مستحقيها الذين يضطرون إلى تأمينها بأنفسهم مع ما يكلفهم ذلك من جهد ووقت ونفقات إضافية.
وإضافة إلى ذلك فإن للمواطنين الحق المطلق في تأمين مساكن لائقة لهم، وتجهيز البنية التحتية اللازمة لهذه المساكن من مياه شرب وكهرباء وصرف صحي. وهكذا فإن التذرع بأن مناطق السكن العشوائي لم تبن بخطط منظمة من الجهات الرسمية، وبالتالي فإن الدولة لا تتحمل مسؤولية سوء الخدمات فيها يعد من قبيل تبرير التقصير بتقصير آخر، لأن سبب النمو الجنوني في مناطق العشوائيات يعود أصلاً إلى تقصير الجهات العامة في واجبها بتأمين مساكن لائقة للمواطنين.
إلا أن أشد ما يثير الاستغراب هو النقص الحاد في مياه الشرب، في مناطق منظمة بنيت المساكن فيها وفق تراخيص نظامية صادرة عن الجهات المعنية، لأن الترخيص بالبناء يعني أصلاً أن الجهات الرسمية يجب أن تكون قد أعدت البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك إيصال مياه الشرب إلى كل مسكن، أو وضعت خططاً واضحة على الأقل لتأمين هذه البنية التحتية في آجال زمنية محددة.
إن وصول مياه الشرب إلى البيوت من خلال شبكة المياه هو حق مكتسب لكل مواطن في سورية، ويقع على عاتق جهاز الدولة تأمينه بصرف النظر عن الوسائل المتبعة لتحقيق هذا الغرض. ويشير هذا التقصير الهائل في أداء هذا الحق للمواطنين، إلى انعدام التخطيط والتنسيق بين الجهات العامة، وإلى استهتار حكومي واضح بحقوق المواطنين، ومع ذلك تستمر هذه المشكلة في التفاقم، ويستمر سكان عشرات المناطق في دمشق في معاناتهم اليومية هذه، والتي تضاف إلى سلة المشكلات الاجتماعية التي تضغط على شرائح واسعة من المجتمع السوري، دون أي محاسبة للمقصرين، ودون أي آفاق واضحة لإيجاد الحلول.