ساقية جارية ولّا تعليم مفتوح؟!
لعل واحدة من أهم المشاكل التي تواجه الطلبة بالمرحلة الجامعية هي ما يتعلق بالنتائج الامتحانية، والصدمة التي يتلقاها بعض الطلاب بالعلامات المحصلة من قبلهم، خاصة أولئك الذين يمضون ساعات طويلة من الدراسة على مادة ما، ويتقدمون لامتحانها متوقعين نتائج مبشرة وإيجابية، لتكون صدمتهم بحملهم المادة على 48 أو 49 علامة.
هذا حال بعض من الطلبة الذين استطلعنا آرائهم في نظام التعليم المفتوح المعتمد في جامعة دمشق، معبرين عن استيائهم من مثل هذه النتائج، ليس كونها تتعارض مع مقدرتهم وإمكاناتهم فحسب، بل تتعداها إلى الجانب الاقتصادي أيضاً، باعتبار أن التعليم المفتوح مكلف، وكل رسوب بمادة يعني تكلفة إضافية، ناهيك عن الجهد والزمن المهدورين.
بحدود 32 ألف طالب
حسب نائب رئيس جامعة دمشق للتعليم المفتوح، الدكتورة صفاء أوتاني، وفي تصريح لإحدى الصحف المحلية، فقد وصل عدد طلاب التعليم المفتوح بجامعة دمشق إلى 32755 طالب وطالبة مداومين ومسجلين فعلياً في سبعة برامج دراسية معتمدة وهي: (المحاسبة- إدارة لمشروعات المتوسطة والصغيرة- الترجمة- الإعلام- رياض الأطفال- الدراسات الدولية والدبلوماسية- الدراسات القانونية) وهذه البرامج الدراسية تتبع إلى ست كليات في جامعة دمشق.
يختلف تعداد الطلاب في كل برنامج من هذه البرامج، وذلك حسب درجات الاستقطاب والميول لدى الطلبة، وسطياً فإن كل برنامج من هذه البرامج يبلغ عدد طلابه بحدود 4600 طالب وطالبة، أي بحدود 1100 طالب وطالبة في كل سنة من سنوات الدراسة الأربعة بكل برنامج، مع الأخذ بعين الاعتبار تزايد هذا العدد في السنة الأولى والثانية وتناقصه بالسنوات الثالثة والرابعة، بسبب معدلات الرسوب والتسرب والانقطاع وغيرها من الأسباب الأخرى.
عدد كبير
وعبء ومشاكل أكثر
هذا العدد من الطلاب، مع عدم توفير ما يلزمه على المستويات المختلفة، يعني الكثير من المشكلات والمعاناة، سواء على مستوى الكادر الفني والإداري والتعليمي، أو على الطلاب أنفسهم، اعتباراً من سوية التعليم والمواد الموضوعة بخطة كل من هذه البرامج، مروراً بالعملية الامتحانية وآلياتها ونتائجها، وليس أخيراً بالوثائق المطلوبة والاعتراف بالشهادة والتعديل، وغيرها من القضايا الخدمية الأخرى التي يحتاجها أو يتساءل حولها الطلبة.
محمد، وهو أحد الطلبة في برنامج التعليم المفتوح- إدارة مشاريع صغيرة قال: «عندما ظهرت العلامات تفاجأت بنفسي أرسب بمادتين للمرة الثالثة على التوالي، والأغرب أن نسبة الرسوب بهذا الفصل كانت مرتفعة جداً».
القسط عم ندبروا بألف ويل!
مصطفى، طالب آخر بالبرنامج نفسه، قال: «بدي قول أنو نحنا جماعة التعليم المفتوح ليش عم يساووا فينا هيك!؟، يعني قسط الجامعة بألف يا ويلاه عم ندبروا، وفوقها بلاقي حالي راسب بكل المواد!»، وأردف قائلاً: «لك لو الواحد مو دارس ما بيزعل، يعني أنا بالأيام العادية بدرس ساعتين باليوم، و فترة الامتحان من 4 للـ 5 ساعات كل يوم».
تجارة ولا كيف؟!
زميل آخر لهم في البرنامج نفسه قال: «أنا خلصت من الامتحانات بعرف في مادة راسب فيها، والباقي برفعهن معدلات، بس مو والله تطلع نتيجة الامتحان لاقي حالي حامل أربع مواد، وأنا متأكد برفع 3، يعني متل ما بيقولوا (اللي استحوا ماتوا) لك كل معارفي حاملين 3 أو 4 مواد، يعني القصة تجارة ولا كيف ...؟».
بدهن يمصوا دمنا ويبهدلونا!
كاتيا، طالبة بجامعة دمشق بنظام التعليم المفتوح قسم إدارة مشاريع تحدثت عن معاناتها قائلة: «مارح احكي ع غياب الدكاترة أو تأخرهم، أو برد الشتي وسرقة المازوت، لأنو اللي صار معي أغرب من هيك، أحد زملائي طلعلي نتيجة الامتحان، فتح موقع الجامعة لاقى اسمي ومحطوط قسم المحاسبة ومرفعيني بمادة محاسبة منشآت مالية، ونحنا أصلاً ما عنا هل المادة بالقسم، رحت لراجع مركز التعليم المفتوح وزميلي معي طبعاً، فتت قلتلهم هيك صار، قالتلي الموظفة استني برا، وعم تحكي وكأني خدامة عندها، نطرنا شي عشر دقايق، بعدين طلعت وقالت: افتحي الموقع وشوفيها، اتأكدي منيح، قلتلها رفيقي شافها محاسبة ومخربطين، قالتلي رفيقك ما بشوف تأكدي.. فعلاً فتحت الموقع لقيت مرجعيني إدارة مشاريع، وفوق كل هل شنططة مرسبتني بالمادة، ما بعرف بدهون يمصوا تعبنا وحقنا وفوقها يبهدلونا ولا شو؟!».
أنا رسبت
واللي نقلتها نجحت!
هديل، طالبة بنظام تعليم المفتوح قسم إدارة مشاريع، وأيضاً مدرسة لغة انكليزية، قالت: «أنا كنت أرجع من الجامعة أدرس كل محاضرة بوقتها، وكنت يومياً كمل مراجعة شوي شوي، يعني متل أي طالب بيدرس أول بأول، وبالفحص بلشت قبل بشهر يعني مستحيل ما رفع، وكل مادة كون خالصتها، وتقريباً ما نام حتى كون خالصة مراجعة، ومع هيك حملت 3 مواد من أصل 4، الانكليزي كنت متأكدة برفعها 90 وحتى نزلت 10 علامات من عندي يعني، وحملتها 45، ويلي أنا نقلتها جنبي رفعت المادة 88؟!!! والباقي شرحو.. بكون مأمنة رفع أقل شي سبعينات، بطلع حاملتهون، لا وللصدفة أنو حملت 3 مواد على 45 علامة، يعني القصة مهزلة بصراحة».
مصيرنا
بين إيدين ناس عم تتسلى!
أخيراً التقينا بطالب رفض ذكر اسمه، ولكن حديثه كان يسلط الضوء على المشكلة بشكلها العملي بعيداً عن أي تأويل أو تفسير، وقد قال: «مادة الانكليزي على كل سؤال 2.5 علامة، يعني حصراً إذا راسب بجيب 47.5 وتحت، لك أنا جايب 49 علامة وراسب، يعني إذا بتضل بتجمع وبتطرح العلامات بتلاقي مستحيل تجيب 49 علامة، يعني يا 50 يا من تحت 47.5، شو يحكي الواحد يعني، مصيرنا بين إيدين ناس عم تتسلى بالتصحيح، وتشلف العلامات شلف، ولا نحنا ملقطين مصرينا من ع الشجر».
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن نظام التعليم المفتوح يعتبر فرصة إضافية متاحة أمام الطلاب من أجل التحصيل العلمي العالي، ولعل أعداد الطلاب المسجلة فيه والمذكورة أعلاه تعتبر مؤشراً على حجم الاستقطاب لهذا النظام التعليمي، وتعتبر الأجور المستوفاة من الطلبة لقاء التسجيل والمتابعة العلمية مقبولة نوعاً ما، على الرغم من أنها عبء مالي بظل الواقع الاقتصادي والمعيشي الراهن، ولكنها تصبح عبئاً وكلفةً مرتفعة أكثر بحال حمل المواد والرسوب، ناهيك عن هدر الوقت الذي يعتبر من العوامل الاقتصادية الهامة بالمقاييس العامة.
ومن المفترض ألا تكون معدلات النجاح بهذا النظام التعليمي مقترنة بما يتم جبايته من أموال، عبر الرسوم السنوية ورسوم كل مادة، كما أن هذا العدد الكبير من الطلاب المسجلين يعني بالأرقام مبلغاً كبيراً نسبياً يتوقع أن تكون بمقابله الخدمات المقدمة تعادله وتتناسب معه، سواء من حيث الكادر الإداري والفني، أو من حيث الدكاترة والأساتذة، وغيرها من القضايا الأخرى المرتبطة بمدخلات العملية التعليمية ومخرجاتها.
ومن المعيب أن تغدو سمعة هذا النظام مقترنة عند الطلبة بأنه وسيلة تمويل للجامعة، واستنزاف مباشر لجيوبهم، لا أكثر ولا أقل.