قضية تقنين الكهرباء.. وجهة نظر حكومية
المهندس عماد خميس
وصلت هذه المقالة التوضيحية إلى صحيفتنا مؤخراً من مكتب معاون المدير العام لشؤون الشركات في وزارة الكهرباء، رغم أنها تعالج قضية أثارتها الصحيفة قبل نحو أربعة أشهر، ومع ذلك فقد ارتأينا نشرها تحقيقاً للأمانة الصحفية.. المحرر.
يقول المهندس عماد خميس إشارة إلى المقالة التي نشرت في موقع وجريدة قاسيون تحت عنوان: (فواتير الكهرباء ـ سرقة قانونية) تاريخ 31/8/2009:
«إن المفهوم المتعلق بانخفاض سعر الطاقة الكهربائية كلما ازداد الاستهلاك، كان سائداً في مطلع السبعينيات من القرن الماضي لدى بعض الدول التي كانت تعتمد على المصادر المائية لتوليد الطاقة الكهربائية (كالدول الاسكندينافية)، حيث تكاليف الإنتاج منخفضة، إلا أنه ومنذ منتصف السبعينيات من القرن نفسه، وفي ظل أزمة النفط التي حدثت آنذاك وارتفاع أسعار النفط والوقود، وكذلك قلة مصادره، فإن هذا المفهوم لم يعد له وجود، وأصبحت كافة دول العالم (الغنية منها قبل الفقيرة) تنصح المستهلكين وتحثهم على الحفاظ على الطاقة وترشيد الاستهلاك، وبالطبع من أحد وسائل ترشيد استهلاك الطاقة هو زيادة سعر هذه الطاقة كلما ازداد الاستهلاك، وفي هذا المجال فإننا نتمنى على كاتب المقال أن يذكر اسم دولة واحدة مازالت تطبق هذا المفهوم حالياً. وفي سورية حيث تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية أكبر بكثير من أسعار بيعها (كون الحكومة تدعم أسعار الكهرباء)، فإنه كلما ازداد الاستهلاك ازدادت الخسارات، لذلك فمن المنطقي والطبيعي أن يزداد سعر الطاقة الكهربائية كلما ازداد الاستهلاك.
إلا إننا نشير إلى أن المفهوم الصحيح والسائد حالياً في معظم دول العالم هو نظام التعرفة الثلاثية الذي يتضمن تعرفة مختلفة لكل فترة من فترات الاستجرار خلال اليوم (نهار ـ ذروة ـ ليل)، بحيث أن تعرفة الاستهلاك خلال فترة الليل أقل بكثير من تعرفة الاستهلاك خلال فترتي النهار والذروة، وذلك لدفع المستهلكين نحو استجرار الطاقة الكهربائية خلال فترة الليل، حيث الطاقة الكهربائية متوفرة وبتكاليف أقل. وفي سورية تطبق هذه التعرفة على المستهلكين الكبار لكل الأغراض (صناعي، زراعي، تجاري)، ومستقبلاً سيتم تطبيق هذه التعرفة على كل المستهلكين فور استكمال مستلزمات تطبيقها.
إن مفهوم ترشيد استهلاك الطاقة والحفاظ عليها يختلف اختلافاً كاملاً عن مفهوم التقنين، حيث أن المقصود بمفهوم ترشيد استهلاك الطاقة وعدم هدرها هو أن تستخدم الطاقة الكهربائية بالمكان المناسب والشكل الأمثل، فما معنى أن تضاء الغرف أو تشغل المكيفات دون وجود أي فعالية أو أشخاص ضمن هذه الغرف، بالتالي فإن قيام وزارة الكهرباء بحملة توعية للمواطنين لاستخدام الكهرباء بالشكل الأمثل وعند الحاجة إليها، لم يكن هدفها منع المواطنين من استخدام الوسائل الحياتية العصرية، بل على العكس كان الهدف دعوة هؤلاء المشتركين لترشيد استهلاكهم وعدم الهدر والإسراف باتباع وسائل بسيطة ودون تكلفة، وكنا نأمل بأن تشارك صحيفتكم الموقرة شأنها شأن معظم الوسائل الإعلامية في حملة التوعية هذه.
في حين أن موضوع التقنين هو حالة ناجمة عن عدم إمكانية مصادر توليد الطاقة الكهربائية في مواجهة تزايد الطلب على الطاقة الكهربائية الذي يصل إلى حدود /7 ـ8%/ سنوياً، وهو من أعلى المعدلات بين الدول العالم ولاسيما المتقدمة منها، والذي لا يزيد معدل زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية فيه /3%/ سنوياً، إضافة إلى الظروف الجوية وحالة الجفاف التي ساهمت في زيادة الطلب على الطاقة من جهة وانخفاض مردود محطات التوليد.
وفي هذا المجال نشير إلى أن وزارة الكهرباء تسعى بشكل دائم نحو بناء المزيد من محطات التوليد لمواجهة الطلب على الطاقة الكهربائية، علماً بأن بناء هذه المحطات يحتاج إلى استثمارات كبيرة، وبالتالي تقوم الحكومة بتأمينها وفق الإمكانات المتاحة، مؤكدين على أن حالة التقنين التي تطبق في بعض الأحيان لم يكن هدفها ولن يكون إطلاقاً إظهار عجز الدولة في تأمين الطاقة الكهربائية، لتصل إلى النتيجة التي يخطط لها بإعطاء قطاع الكهرباء للقطاع الخاص (كما ذكر كاتب المقال)، مع أننا لا نرى أي خطأ في حث القطاع الخاص نحو الاستثمار في مجال توليد الطاقة الكهربائية، طالما أن الحكومة مستمرة في التحكم والسيطرة على سوق الكهرباء وليس القطاع الخاص.
نحن نستغرب ما ذكره المقال عن كون المواطن يدفع ثمن استهلاكه النظامي واستهلاك غيره من الفاقد والهدر والسرقة، عن طريق تركيب عداد رئيسي لكل قرية أو بلدة، وتوزيع الاستجرار بما في ذلك الهدر والفاقد والسرقة على أهالي البلدة، وبالتالي لا نعلم من أين أتى بهذه المعلومات ونتمنى عليه أن يذكر حالة واحدة فقد تم معالجتها على هذا الأساس.
وفي هذا المجال نؤكد بأن كل مشترك بالطاقة الكهربائية يتم محاسبته بقيمة الطاقة الكهربائية من خلال عداد خاص به وحسب قراءة هذا العداد، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال إضافة أي كمية من الكهرباء لم يسجلها العداد.
إن العنوان الرئيسي للتعرفة السائدة حالياً هو ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية والحفاظ عليها من الهدر، وقد هدفت بشكل أساسي إلى تعزيز وتأكيد دور الدولة في دعم مستهلكي الطاقة الكهربائية للأغراض المنزلية، ولاسيما ذوي الدخل المحدود، بحيث تم رفع الشرائح المدعومة من (600 ك.و.س/شهرين) إلى (800 ك.و.س/شهرين)، بمعنى أن التعرفة لم تمس أو ترفع أسعار الشرائح المدعومة سابقاً، بل على العكس، بحيث أي مشترك منزلي يستهلك (800 ك.و.س/شهرين) فإن قيمة فاتورته انخفضت من /988.2/ ل.س، وفق التعرفة السابقة إلى /866.2/ ل.س، علماً بأن هؤلاء المستهلكين يشكلون النسبة الأعلى من إجمالي المستهلكين المنزليين، ومن الطبيعي كما أشرنا سابقاً أن كل مشترك يزداد استهلاكه على على المستأجر، مع أن الأصل أن هذه الضريبة هي ضريبة مترتبة على المؤجر بحكم القانون، ويعتبر بفعلته هذه متهرباً ضريبياً، وتجب محاسبته.
المشكلة في جوهرها تكمن في ضعف الثقافة الحقوقية لدى الأفراد وفي فشل الجهات المعنية في ضبط الأمور وإنصاف الطرف الضعيف في العملية، وفي قلة حيلة المستأجرين وضعفهم وحاجتهم للاستئجار بأي ثمن.
إذاً فقبل أن نناقش قانون الإيجار بسلبياته وإيجابياته، يجب أن نناقش مستوى الوعي الحقوقي عند الأفراد، ويجب أن تعمل الجهات المعنية على التدخل بالصيغ القانونية الملائمة لحل هذه المشكلة. وقبل ذلك يجب أن تنهض الحكومة بدورها في تأمين مساكن للمواطنين، لأن وجود هذا العدد الهائل من الأسر التي لا تمتلك مسكناً ثابتاً، وهذا العدد الهائل من الطلاب خارج السكن الجامعي الذي ضاق بهم، هو ظاهرة كارثية، ودليل على فشل الحكومات المتعاقبة في حل مشكلات السوريين المستعصية، وعلى رأسها مشكلة الإسكان.
إن تأمين البيئة الاقتصادية والحقوقية الملائمة لتطبيق القوانين، هو شرط ضروري لإمكانية تطبيقها، ودراستها دراسة نقدية علمية على ضوء نتائج تطبيقها العملي، لأن القانون -أي قانون- لا يمكن تطبيقه، في ظل أوضاع اقتصادية وثقافية وحقوقية، غير ملائمة، وغير ناضجة بما يكفي لتلقيه وتطبيقه.