ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

البديل.. قانون مدني للأحوال الشخصية

أجمع غالبية منتقدي تعديلات قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه في حال تطبيقه سيؤدي إلى إثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية والاجتماعية بين المواطنين السوريين، الأمر الذي  يخالف نص المادة 307 من قانون العقوبات.

ولايشك عارف بأصول الفقه الإسلامي أنه من الضروري والواجب على المشرع عند تعديل القانون، الأخذ بالاعتبار أهم قاعدة فقهية، والتي تقول: «لا ينكر تغيير الأحكام بتغير الأزمان», ولكني أجزم أن اللجنة المشكلة للتعديل، لا تريد الاعتراف بوجود هذه القاعدة الفقهية، بل عملت العكس تماماً، ونسيت بل تناست التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي مستوى التعليم والتمدن ونشوء المجتمعات المدنية، والتطور الصناعي والزراعي، ودخول المرأة بقوة إلى سوق العمل، وهذه تطورات هائلة غيرت بنية المجتمع الإسلامي منذ ولادة علم أصول الفقه الإسلامي وحتى الآن.
إن مجتمعنا السوري المعاصر بحاجة ماسة إلى قانون أحوال شخصية عصري قادر عند تطبيقه أن يحقق العدالة والمساواة بين المواطنين، ولا يميز بينهم، خصوصاً أننا نعلم بأن الشعب السوري مكون من مجموعات كبيرة من الأديان والمذاهب والطوائف، وعدد ليس قليلا من الأقليات القومية, فحتى نسن مثل هذا القانون ونرضي كل مكونات الشعب، نحن أمام خياري
1ـ نعدل قانون الأحوال الشخصية الساري المفعول حالياً على الأسس التالية:
أـ لا إكراه في الدين.
ب ـ اعتماد القاعدة الفقهية: لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
ت ـ عدم مخالفة الدستور أو القوانين سارية المفعول في البلاد على أساس (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات).
ث ـ الحفاظ على حقوق المرأة السورية فعلاً لا قولاً، ويجب أن تحترم تعديلات القا نون الجديدة حق المرأة في تزويج نفسها وحقها بالعمل والسفر والدراسة بلا أية شروط تقيدها، مثل تدخُّل الأب أو الزوج أو الأخ.
ج- الأخذ بالاعتبار التنوع الديني والمذهبي الذي يسم المجتمع السوري بسمات رائعة من أهمها التعايش والسلام السائد بين كل شرائح المجتمع السوري وأديانه وطوائفه.
ح- الابتعاد في الصياغة عن العبارات التي تدس الفراق والشقاق بين المواطنين السوريين، ونبذ الكلمات الدونية  الساقطة مثل «غير الكتابيين»، و«الذمي» و«المرتد» و«الوطء» و«الموطوءة».
خ- المساواة بين المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات، آخذاً بعين الاعتبار الأحكام الشرعية الخاصة بالأديان والمذاهب والطوائف غير المسلمة، ومحافظاً على خصوصيتها، وممتنعاً عن إلزامها بما يخالف معتقداتها وأحكامها الخاصة بها.
د- الابتعاد عن جمود النص الذي لا يراعي التطورات كالتي جرت منذ نشوء علم الفقه الإسلامي وحتى الآن.
2ـ أما الخيار الثاني فهو: إذا أصر المشرعون والمعدلون لهذا القانون على موقفهم، ولم يأخذوا بعين الاعتبار هذه الأمور المذكورة أعلاه، بل ونال التعديل رضى جزء كبير من المجتمع، فيتوجب على المشـرع أن يسن قانونا مدنياً للأحوال الشخصية يراعي الملاحظات الواردة أعلاه، ويعطي لكل مواطن، ذكراً كان أو أنثى، الحق في اختيار القانون الذي يريد أن يطبق عليه، فإن اتفق الزوجان على أحد هذين القانونين فلا مشكلة، ولكن إن اختلف الزوجان في الاختيار فالمشكلة تحل عبر الإيجاب والقبول بحيث يحترم كل طرف إرادة الطرف الآخر، وهذا لا يتعارض مع تطبيق القانونين معاً.
إن الناس بحاجة لقانون عادل يحفظ حقوقهم ويساعدهم على أداء واجباتهم، لا أن يجري استعبادهم بسن قوانين تحيل حياتهم إلى جحيم، وتكون كسيف مسلط على رقابهم. لذلك فلنعمل على سن مثل هذا القانون العصري الذي يحقق فعلا تلك المساواة بين الرجل والمرأة، فتستعيد المرأة مكانتها ككائن بشري لها حقوقها، فلا تظل عبدة لأهواء الرجل وميوله الغريزية في منعها من التحرر والمساواة.
وعلى النساء السوريات بشكل عام، ألا ينتظرن، وليبادرن لرفع شعار القانون المدني البديل الصحيح الذي يسمح لكل مواطن بأن يتخلص من أعباء الأحكام الجائرة الواردة في القانون الحالي.
نقول لكل الفقهاء والمشرعين ما قاله عمر بـن الخطاب لعمـرو بـن العاص: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟)...