رعي جائر وصيد وتخريب علني!! خارجون على القانون يقتحمون المحميات
قبل سنوات توجهت رحلة مدرسية لطلاب التعليم الأساسي إلى جبل البلعاس شرقي حماة، للزيارة والإطلاع عن كثب على إحدى المحميات. أوقفت المعلمة مرافقة الرحلة سيارة البولمان بعد أن رأت الأغنام تقتحم المحمية وتنقض على الأشجار، وقالت للراعي إن هذه المحميات كلفت الدولة مئات الملايين من الليرات السورية، ولم تكمل كلامها حتى أشهر سلاحه وأمطر البولمان بالرصاص، وأصيبت تلميذة بجراح بقيت على إثرها أياماً في المشفى، وقيدت القضية ضد مجهول.
من الواضح تماماً أن هذه الأغنام ليست لمواطن فقير لم يجد العلف فانقضَّ على المحميات، إنها لذي نفوذ كبير ينتهك القوانين ويعتبر نفسه فوق القانون، وأمثاله موجودون في كل مكان في المدينة والريف والبادية. في الخمسينيات وحتى أوائل الستينيات من القرن الماضي كان جبل البلعاس غابة من أشجار البطم والسنديان وكان يضم كل أنواع الحيوانات البرية من الغزلان إلى الأسود وغيرها، وكان الصيادون يتفاخرون: فلان قتل مائة غزال في رحلة واحدة وفلان قتل كذا.... وتحول الجبل إلى صحراء.
في العام 2007 صدر قانون الحراج رقم /25/ الذي اعتبر جبل البلعاس محمية طبيعية بيئية حراجية، وصدر أيضاً القرار رقم /4829/ تاريخ 14/8/2008 عن وزير الزراعة، والذي منع الرعي منعاً باتاً في جبل البلعاس واعتبره محمية من أهم المحميات في سورية، مساحة الجبل تتجاوز /22797/ هكتاراً، وهو جزء من سلسلة الجبال التدمرية، إذ يقع في الطرف الجنوبي الشرقي من محافظة حماة ضمن البادية السورية.
يقول رئيس الرابطة الفلاحية في السلمية طلال المذري: «يتميز جبل البلعاس بتنوعه ووجود أشجار معمرة طبيعية، أهمها أشجار البطم التي كانت تنتشر بكثافة في عمق البادية، غير أن القطع الجائر لهذه الأشجار وتدمير الغطاء النباتي وصيد الحيوانات والطيور النادرة والغزلان، أدى إلى تراجع كبير، بل الانعدام في الثروة الطبيعية البرية والحراجية، ولم يبق اليوم سوى بقايا غراس وأشجار مكسَّرة.
محميات كلفت الدولة مئات الملايين، رافقها الإهمال وتركت للرعي الجائر والصيد والتخريب دون رقابة، وقانون الحراج الذي تتغنى به وزارة الزراعة بقي منذ صدوره دون تطبيق أو تنفيذ.
الأغنام أكلت الأخضر واليابس في جبل البلعاس، وتُرِكت المحميات دون حماية إلا من بعض الحراس وهم دون أسلحة، بل ويتواطؤون مع أصحاب النفوذ في اقتحام المحميات.
في 13/8/2007 صدر المرسوم التشريعي رقم /24/ القاضي بإحداث هيئة لإدارة وتنمية البادية، تتولى تطوير البادية وحماية المحميات وعددها /68/ محمية، بمساحة /970/ ألف هكتار، ومن مهماتها تخصيص مساحات جديدة ومراع تشاركية وغراس ووضع سياسة حراجية وتنمية مستدامة وغابات، وعندما سألنا رئيس الرابطة الفلاحية في السلمية عما تم تنفيذه من قبل الهيئة حتى الآن امتنع عن الجواب ولكنه قال: «لقد عشش الفساد في هذه الهيئة وصُرفت أموالها دون حسيب أو رقيب، رغم تعهد منظمة الفاو بتقديم الدعم الفني لإعداد الإستراتيجية الحراجية وتعهد أطراف عربية بالدعم المادي».
ويتابع رئيس الرابطة: «هناك قرارات ومراسيم لا تسمح لتجمعات البادية بالفلاحة والزراعة بعد الخط المطري، وهذه التجمعات تعيش تحت خط الفقر دون أن يُبحث واقعهم أو يُرصد من أية جهة كانت. عشرات التجمعات والقرى تعيش دون مياه ودون حد أدنى من الخدمات، يضاف إلى ذلك انحباس الأمطار منذ أربع سنوات، وإذا كان موسم الشعير والقمح والعدس والكمون تعرض إلى موجة حر وقلة الأمطار فإن الصقيع جاء أيضاً وضرب اللوزيات، لذلك لا جدوى من الموسم نهائياً. كل ذلك يحدث في غياب البحث العلمي والمتابعة والإشراف».
ويتابع رئيس الرابطة قائلاً: «طالبنا بالتعويض دون جدوى! وتساءل: لماذا لا نعامَل أسوة بالمحافظات الشرقية من ناحية توزيع إعانات بذار وسلة غذائية، وفي العام الماضي زار المنطقة وفد من الفاو والأمم المتحدة ضمن وفد وزارة الزراعة وتم الإطلاع على الواقع في البادية، واعتبرت المنطقة منكوبة، وشُكِّلت لجان لإحصاء سكان البادية، ولكن دون أي فعل أو قرار».
تبلع مساحة الغابات في سورية بحدود /400/ ألف هكتار نصفها صنوبريات والباقي عريضة الأوراق. وإذا كانت المحميات في البادية وجبل البلعاس تُنتَهَك من قبل أصحاب النفوذ، فإن الغابات الطبيعية أصبحت هدفاً لتحويل أراضيها إلى أراض زراعية، أو إلى أغراض البناء، وخصوصاً في المدن، وذلك لعدم وجود خطط لإدارة وتنظيم الغابات، وبالتالي عدم وجود خطة لاستثمارها.
قسمت المحميات في جبل البلعاس إلى ثلاث مناطق، وكانت وراء ذلك الأهداف التالية:
1ـ المحافظة على جبل البلعاس بصفته نظام غابات المناطق الجافة ضمن البادية السورية مجمع للبطم الأطلسي.
2ـ حماية الحياة البرية وتدعيمها.
3ـ مصدر كبير للتنوع الوراثي.
4ـ حماية الغطاء النباتي من التدهور وإعادته إلى الحياة الطبيعية.
5ـ تفرده بموقعه الطبوغرافي والبيئي والسياحي.
6ـ إجراء الدراسات والأبحاث العلمية.
7ـ وقف الاستهلاك المدمر للثروات الطبيعية والبيئية وحماية التربة من الانجراف الريحي والمائي.
8ـ الإشراف الفني الكامل على جميع أشكال استثمار موارد الجبل بشكل يتناسب مع حماية الغطاء النباتي.
ومن أجل تحقيق ذلك اتُّخِذت الإجراءات التالية:
1ـ يمنع منعاً باتاً الرعي ودخول الحيوانات غير البرية.
2ـ يمنع فلاحة الأرض أو زراعتها أو حفر الآبار وإلقاء الأتربة.
3ـ يمنع دخول الآليات أو الأشخاص إلا لأعمال الحماية والعاملين في إدارة المحمية والوزارة، ويسمح للباحثين والدارسين بالدخول بقصد إجراء الدراسات.
إذاً محمية البلعاس حسب التعليمات والقرارات يجب أن تكون نموذجاً للمحميات العالمية، صرفت عليها الحكومة المليارات، ولكن أغنام أصحاب النفوذ تقتحم المحميات، في حين أغنام الصغار تموت جوعاً وعطشاً.
لجنة البيئة في جمعية العاديات في السلمية، رصدت من خلال دراسة للجنة متخصصة زارت المحميات، الأمور التالية:
ـ تدهور واقع الغراس المحرجة صناعياً وبعمر أكثر من /15/ عاماً على جانبي الطريق العام حيث أصبحت عارية تماماً من الأوراق والأغصان وتعرضها للتكسير.
ـ المحارس الموجودة تعرضت للتخريب من قبل رعاة مسلحين، والتخريب طال كل المنشآت إضافة إلى مبنى الإدارة الذي أنشئ عام 2005، وبقي مغلقاً دون موظفين.
ـ تسجيل حوادث خطيرة وإطلاق نار على الدوريات الحراجية، وحوادث الضرب بالحجارة والتهديد بالسلاح من الرعاة وأسيادهم.
ـ عدم وجود قضاء متخصص أسوة بالدول التي تتبنى فكرة المحميات في العالم.