هجرة الشباب.. البلاد تدفع الثمن

هي ظاهرة في منتهى الخطورة تنتشر بكثرة في بلدنا، وهي في الوقت ذاته حلم وطموح لكثير من الشباب العرب، إنها ظاهرة الهجرة.. فما أساس هذه الظاهرة، وهل هي حلم زائف أم هروب من واقع سيئ؟؟

في كل الأحوال، فإن الهجرة في نسبها المرتفعة في سورية تنبئ بخطر محدق بنا فبلدنا من الدول التي ترتفع فيها نسبة الهجرة بشدة.

صحيح أن الظاهرة عالمية، وأن شباب الدول النامية والفقيرة ينزحون يومياً إلى دول أخرى تتوفر فيها إمكانيات اقتصادية عالية ومستوى معيشة متقدم يفتقده الشباب في بلدانهم، إلا أن لبلدنا المحتاج بشدة لكفاءات أبنائه يحول المسألة لقضية وطنية من الطراز الأول، فكوادرنا الشابة ومثقفونا يتجهون إلى أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ودول أمريكا اللاتينية ذات الفرص الكبيرة، والتي اكتظت بالمهاجرين العرب خاصة البرازيل، والأرجنتين وفنزويلا، فالبرازيل وحدها فيها أكثر من عشر ملايين مهاجر عربي.. أي أن عقولنا الواعدة هي التي تتسرب!!.

إن الهجرة الأكثر خطورة هي هجرة الأدمغة والعقول وترك البلاد التي هي بأمس الحاجة لهم.. والسؤال هنا لماذا يحمل الشاب السوري الكفء حقيبته ويهاجر؟

لاشك أن هناك أسباباً كثيرة تجبر الشباب في سورية وفي العالم العربي على ترك وطنهم الأم متخذين قراراً أليماً بالرحيل، وأبرز هذه الضغوط هي الضغوطات الاقتصادية المتمثلة بعدم وجود فرص عمل كافية وارتفاع نسب البطالة وخاصة في صفوف المتعلمين، بالإضافة لضغوطات اجتماعية من زيادة سكانية هائلة وضيق هامش الحريات وارتفاع سقف القبول بالجامعات الوطنية، حتى أن أصحاب الشهادات قرروا الهجرة لأن شهاداتهم لم تفتح لهم الأبواب التي يريدون فتحها، ولم يحققوا أحلامهم وطموحاتهم التي طالموا حلموا بها.

وأصحاب الكفاءات والأدمغة هم أكثر من تصيبه خيبة الأمل في ظروف كهذه، لأنهم لم يجدوا من يقدرهم ويقدر كفاءتهم، فقلة في العائد المادي لمختلف الكفاءات العلمية، وقلة في الإنفاق على البحوث العلمية تجعلهم يهربون بعقولهم إلى بلاد يظنون أنها ستقدرهم وتقدر كفاءتهم، مشكلين خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها بسرعة، إذ يؤدي رحيلهم إلى ضعف البنية العلمية التحتية وتأخير في البحث العلمي وتناقص فرص تطور بلدهم على المستوى المنظور.

كما أن هناك أسباباً أخرى للهجرة، منها انبهار الراغب بالهجرة بالحياة الغربية والحريات المتوافرة في أوربا وأمريكا، هرباً من وكبت وفساد وقمع مجتمعه.. وهذا الانبهار يتداخل مع الحلم بمستوى معيشة لائق وتحقيق الذات.

نحن الآن أمام نزيف حقيقي للعقول يهددنا ويهدد بلدنا، ولابد من إيقاف هذا النزيف وتذليل العقبات أمام الشباب عبر حل مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية، وتخفيف الضغوط النفسية التي يعاني منها مجتمعنا وشبابنا.. والسؤال هنا: لماذا لا يتم فسح المجال للشباب للسعي لتحقيق مستوى معيشة لائق بهم، عبر محاولة تطوير الاقتصاد ودعائمه وتوسيع الحريات الاجتماعية وتنقية المؤسسات من الفساد، وتخليصها من الترهل الإداري، وفتح جبهات عمل حقيقية لكي تستطيع استيعاب الطاقات والكفاءات والمهارات الموجودة في بلدنا، فتحل مشكلة البطالة بشكل جذري؟

 لماذا لا وجود لمؤسسات وجمعيات حقيقية مسؤولة عن تلبية طموحات الشباب والاستفادة من أدمغتهم الخلاقة، وتكريمها وإعطائها الفرصة في بلدها لكي لا يصبح حلمها الحقيقي الهجرة؟؟ فالدول التي لا تحفظ علماءها وشبابها هي في حالة جفاف وموت بطيء.

يجب الحفاظ على الشباب كثروة في بلدنا، والسعي جدياً لإلغاء كل الأسباب التي تدفعهم للرحيل، ففي النهاية، لن يحك جلدك مثل ظفرك.