ستريكو ميقري ستريكو ميقري

المعجزات المصطنعة لنسب النمو المرتفعة

تكرر الحديث الحكومي في الآونة الأخيرة عن النتائج الإيجابية لثمار الخطة الخمسية العاشرة والتباهي بنسب النمو المحققة فيها، والتي بلغت حول 5% سنوياً، ورأى البعض بأن نسب النمو المحققة قد انعكست على حياة المجتمع السوري بكافة شرائحه.  وباعتبار أننا نعيش الآن في زمن باتت فيه فرص تحقيق المعجزات ضئيلة، فلنستعرض بسرعة هذه المعجزة وانعكاساتها على الوضع المعاشي للجماهير الشعبية باعتبارها المستهدف الأول من تطبيق شعار: اقتصاد السوق الاجتماعي.

1- يحق لنا أن نسأل: كيف ترافق النمو مع ازدياد نسبة البطالة إلى 14% بدل انخفاضها إلى 8%، وانخفاض نسبة مساهمة الصناعة والزراعة في الناتج المحلي؟ حقيقة إنها معجزة لا يستطيع تحقيقها إلا الأنبياء!

لا نحتاج إلى متنبئين حتى يفكوا هذا الطلسم فـ/80%/ من الاستثمارات ذهبت للقطاعات الريعية كشراء الأراضي والعقارات وإنشاء المصارف والمضاربات المالية. وهذا هو الإنجاز الأول!!

2- أدى هذا النمو إلى حصول عجز في الميزان التجاري في عام 2009 قدره 130 مليار ليرة، ذلك أن أرباب العمل وذوي الدخل غير المحدود  شعروا بقوة بنسب النمو المحققة فانعكس ذلك على مستورداتهم المختلفة سواء بالسلع المعمرة والفارهة التي استوردوها خصيصا لحاجاتهم الشخصية أو بارتفاع مستورداتهم للآلات المستعملة التي سمحت الحكومة باستيرادها مهما كانت سنة الصنع على أساس أن يؤدي ذلك إلى تمكين المنتجين من استيراد التكنولوجيا، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتدني في الإنتاجية لهذه الآلات وارتفاع معدلات الهدر وارتفاع استهلاك قطع الغيار والصيانة وارتفاع معدلات التلوث البيئي وتدني الأمن الصناعي وتحول الصناعة إلى مقبرة للخردة، وهذا إنجاز ثان للنمو الحاصل.

3- وباعتبار هؤلاء هم أول من شعروا بانعكاس معدل النمو المحقق فكان لابد للحكومة من محاباتهم لأنهم الفرسان الذين حملوا راية النمو، فغضت الطرف كلياً عن الوباء الذي أصابهم وهو التهرب الضريبي والتأميني كمكافأة على جهودهم هذه، وهذا إنجاز ثالث للنمو.

4- وكان الفريق الاقتصادي أيضاً من أول من شعر بانعكاس النمو على المجتمع، وباعتبار أن المواطن شبع، وأضحى هانئاً بعيشه الرغيد، فلا بأس من رفع الدعم وخصوصاً على المازوت، وزيادة ما يدفعه من الضرائب غير المباشرة من جهة والمباشرة من جهة ثانية، كضريبة الضميمة على الأعلاف والأسمدة الزراعية ما أدى إلى عزوف الفلاحين عن الزراعة ومربي الدواجن عن تربية الدواجن، وهذا إنجاز رابع للنمو الحاصل.

5- الغريب أن النمو تحقق على الرغم من تراجع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي معاً، فقفلت الأبواب في وجه القطاع العام لتخسيره تمهيدا لخصخصته، وفتحت الأبواب لاستثمارات الرأسمال الخاص المحلي والعربي والأجنبي، وهذا انجاز خامس للنمو الحاصل.

6- لم تكن الجماهير الشعبية اقل شعورا بانعكاس النمو على مستوى حالتها المعاشية، بل إنها اكتفت وأصيبت بالتخمة من هول الإنجازات الاقتصادية ونسب النمو المحققة ولدرجة الغثيان أحياناً، فقد ملت الأحاديث المكررة عن هذه المنجزات وهي ترى في  أول كل شهر كيف  تمتلئ جيوبها من النقد الورقي، وباعتبار أن جيوبها مثقوبة فان راتبها لا يكفيها إلا للعشرة أيام الأولى، لتصوم الأيام الباقية انتظاراً للراتب المقبل, والحقيقة أن هذا النمو جعل 30% من الناس يعيشون تحت الحد الأدنى للفقر، ونحو 70% منها تحت الحد الأعلى له، وبدلاً من تحول الاستهلاك إلى رافعة للنمو أضحى كابحا له، وهذا إنجاز سادس للنمو الحاصل .

وهكذا فالنمو الحاصل شعرت به كل شرائح الشعب السوري، كل حسب موقعه من عملية الإنتاج، فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، لأن الجهود المبذولة من الحكومة وفريقها الاقتصادي ذهبت سدى بفعل الفقر المعند والبطالة المعندة والجفاف المعند.. فإياكم أن تظلموا الفريق الاقتصادي!!.