مفارقاتٌ ومآسٍٍ تطبعُ حياة ضحايا الإحصاء الاستثنائي
لم تترك صحيفة قاسيون وكتابها مناسبة إلا وتحدثوا فيها عن المآسي التي يعانيها ضحايا الإحصاء الاستثنائي لعام 1962، والذين تم تصنيفهم ضمن خانة أجانب محافظة الحسكة وجردوا من هويتهم السورية رغماً عنهم بفعل السياسات الرجعية التي قامت بها حكومة الانفصال في الستينيات من القرن الماضي.. وفي هذه المادة التي تستحق أن تضم إلى عجائب الدنيا السبعة، لن نتحدث فيها عن كل ما قلناه وكتبناه سابقاً عن حرمان هذه الشريحة من أبناء محافظة الحسكة من كامل حقوقهم المدنية، وإنما سنتناول جزءاً من المفارقات المبكية- المضحكة التي تحدث مع بعضهم ، وهم بالتحديد أولئك الذين يملكون كافة الوثائق الرسمية التي تؤكد سوريتهم أباً عن جد، وليس فيها أي مجال للشك أو التلاعب..
فعلى الرغم من وجود أعداد كبيرة من هؤلاء المنزوعة جنسيتهم منهم نزعاً، قد يصل للمئات لا بل للآلاف، فإنهم لم يظهروا تلك الأوراق، تارة بسبب الخوف من المجهول، وتارة أخرى تحسباً من أن تسحب منهم كونها الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تؤكد انتماءهم وارتباطهم بالأرض والوطن. والغريب أن من ضمن الوثائق التي يملكها هؤلاء وثائق تتعلق بتقديمهم خدمة العلم خدمة الدفاع عن الوطن بعد صدور قرار الإحصاء الاستثنائي!! والحالة التي بين أيدينا محزنة ومضحكة في الوقت ذاته، إذ يملك أحد المواطنين المنزوعي الجنسية واحدة من أهم الأوراق الرسمية التي يمكن أن يملكها مواطن، وهي وثيقة «بيان خدمة العلم»، والتي تحت الرقم 14709/79 نموذج رقم 52 /ت ويفيد محتواها «أن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تشهد بأن المجند عبدالله سليمان بن محمد ذو الرقم/267503/ قد انتسب إلى الخدمة في الجيش العربي السوري كمجند بتاريخ 1/11/1966، وسرح من الخدمة بتاريخ 1/6/1969 بسبب انتهاء خدمته الإلزامية بعد أن أدى خدمة فعلية لمدة سنتين وستة أشهر، وكانت درجة أخلاقه (جيدة) وعوقب لمدة شهر يضاف إلى خدمته الإلزامية، وذلك لعدم حمله الهوية المدنية أثناء....».. حرر هذا البيان بتاريخ 29/12/1979 من قبل مدير إدارة السجلات العسكرية بالختم والتوقيع، مديرية التجنيد العامة شعبة تجنيد المالكية، أما والد عبدالله محمد سليمان يوسف، فهو من مواليد (قصروك) عام 1912، وقد كان رقم مسكنه26/ك، ويحمل هوية ذات الرقم 235/10 أعطيت له بتاريخ 31/5/1953 وعلى القسم الخلفي للهوية ختم الدائرة الانتخابية لمحافظة الحسكة لجنة الاقتراع، تؤكد مشاركة والده في الانتخابات النيابية الأولى التي جرت في سورية عام 1954 بالمركز رقم /624/. فهل من دليل أقوى من هذه الوثيقة حتى يثبت لهذا المواطن هويته الوطنية السورية؟ ثم أية مفارقة هذه في الورقة التي يحملها عبدالله كإثبات على شخصيته والتي تنص: «لم يرد للمذكور قيد في سجلات العرب السوريين بمحافظة الحسكة نتيجة إحصاء عام 1962 وبناء على طلبه أعطيناه بيان القيد المدون أعلاه في سجلات أجانب تلك المحافظة»!؟
ورغم التفاؤل الذي ساد خلال السنوات الخمس الماضية بعد الوعود العلنية من الجهات المعنية (المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث العربي الاشتراكي ) بقرب حل المشكلة، بقيت الأمور على حالها، وبقي حلم المواطن لنيل جنسيته كابوساً عند تسريب أي خبر في وضع حل للمحنة التي يعانونها.
يقول الباحث السوري جمال باروت في بحث تم نشره كاملاً على صفحات جريدة قاسيون بعنوان: كيف نشأت مشكلة (أجانب تركيا) في سورية؟: «هكذا تم تغريب أبناء محافظة الحسكة في سورية داخل مسقط رأسهم والذين لم يعرفوا سوى سورية وطناً لهم».
ويضيف الباحث في ختام بحثه: «أما اليوم فقد آن لهذه المأساة أن تنتهي بضربة واحدةٍ، أي بقرار واحدٍ يعادل وزنه قوة خطة إقصاء ثنائي السيد- العظم لهؤلاء عن الدولة – الوطن».. أي ما فعلته حكومة الانفصال بحق المواطنين السوريين في محافظة الحسكة وإحصائهم الاستثنائي الرجعي سيىء الذكر والصيت.
ألم يحن الوقت لإعادة الاعتبار والحقوق للمحرومين منها؟ أليس ملحّاً أن يكون جميع أبناء البلد جاهزين حقوقياً ومعنوياً للدفاع عن الوطن الذي تحيق به الأخطار؟ إن ما يحبكه المتآمرون والمتربصون بالوطن يتطلب وقفة حقيقية أمام هذه المشكلة، وترتيب البيت الداخلي لتبقى سورية كما كانت دائماً قوية رصينة لا تركع أو تتنازل عن حقوقها بوحدتها الوطنية وشعبها المعطاء.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.