المكتبات الجامعية السورية... مكتبة كلية الحقوق نموذجاً
يدخل الطالب أو الزائر إلى مكتبة كلية الحقوق في جامعة دمشق، فيفاجئ بأن جولة من نصف ساعة على الأكثر تكفي كي يطلع على عناوين جميع الكتب المتناثرة على رفوفها القليلة. ويمكن لهذا الزائر أن يلمح مثلاً صفاً من الرفوف لا يتجاوز عددها الثلاثين رفاً بطول متر للرف الواحد، مخصصة لمراجع القانون المدني، ويمكن أن يتجه إلى آخر المكتبة ليرى بضعة رفوف متجاورة تحت عنوان «المجلات والدوريات».
ويُقِرُّ أغلب أساتذة كلية الحقوق، وطلاب الدراسات العليا في الكلية، بأن المراجع الموجودة في المكتبة غير كافية لإعداد بحث صغير في أي مجال من مجالات القانون، كما أنه لا وجود لعشرات المؤلفات الحقوقية السورية في تلك المكتبة، وهي مكتبة كلية الحقوق العريقة في جامعة دمشق.
إذا ما ربطنا هذه الظاهرة مع حقيقة أن أغلب طلاب كلية الحقوق يتخرجون منها ويحصلون على الإجازة في الحقوق دون أن يزوروا هذه المكتبة ولو لمرة واحدة، بل إن الكثيرين منهم لا يعرفون مكانها أصلاً، فإننا نستنتج أن هذه الظاهرة ترجع في أصلها إلى أن الدراسة الحقوقية الأكاديمية في جامعة دمشق، تقتصر على حفظ المعلومات الواردة في المقررات الجامعية وصبها على ورقة الامتحان، دون القيام بأية عملية بحثية طيلة سنوات الدراسة، ودون أن يختلف الدور الوظيفي للمكتبة الجامعية في هذه المرحلة من الدراسة عن الدور الذي تلعبه مكتبات المدارس الإعدادية والثانوية الفارغة أصلاً في أغلبها من أي كتاب ذي قيمة.
وعندما يُعِدُّ أحد طلاب الماجستير أو الدكتوراه بحثاً دون الاستناد إلى مرجع معينٍ يعتبره أحد الأساتذة مرجعاً هاماً، فإن الأستاذ يلقي باللائمة على الطالب وتقصيره، ويمكن أن تُسمع عبارات من قبيل أن «اجتهاد الطالب وإمكانياته البحثية يجب أن تظهر بشكل أساسي في الحصول على الكتب والمراجع!!»، مع أنه من أبرز مهمات الجامعة العمل على وضع الكتب والمراجع في متناول طلابها، الذين يجب أن ينصب اهتمامهم على البحث في الكتب والمراجع، وليس البحث عنها.
ولا يسعنا هنا أن نبسِّط الأمر، فنربطه بتراجع ظاهرة القراءة في المجتمع السوري بشكل عام، لأن المؤسسات التعليمية يجب أن تضع أساليب التدريس فيها بحيث تدفع الطالب منذ لحظة دخوله إلى الجامعة، إلى البحث في الكتب والمراجع، بحيث يكون مجبراً على الاعتياد على عملية البحث الحر عن المعرفة، وربما إعادة إنتاجها في مرحلة لاحقة، لا مجرد تلقيها جاهزةً وتكرار ما يُملى عليه منها. وبهذا يمكن القول إن تراجع دور المكتبات الجامعية في حياة الطلبة، يعد سبباً من أسباب تراجع ظاهرة القراءة في المجتمع السوري، وإغلاق المكتبات السورية العريقة واحدةً تلو الأخرى، قبل أن يكون نتيجة لها.
يقول لنا بعض أساتذتنا الذين درسوا في فرنسا، أن مكتبات كليات الحقوق الفرنسية تضم ملايين الكتب بمختلف اللغات. وكي لا نذهب بعيداً فإن مكتبة كلية الحقوق بالقاهرة، تضم عشرات أضعاف ما هو موجود في مكتبة كلية الحقوق بدمشق. ولنا أن نسأل هنا، ترى هل إن هذا الأمر هو نتيجة لتربع فرنسا على عرش الدراسات الحقوقية في العالم، وتربع فقهاء القانون المصريين على عرش الفقه القانوني العربي، أم إن غنى هذه المكتبات هو واحد من أسباب التقدم في مجال الدراسات الحقوقية هناك؟.
لا شك أن ثمة علاقة متبادلة بين الأمرين، ولا شك أن نقطة البداية ليست عند القائمين على المكتبات الجامعية في سورية، ولا عند الأساتذة الجامعيين السوريين، بل عند العقلية القائمة على إدارة المؤسسات التعليمية والثقافية في البلاد، التي تسير بالجامعات السورية، وبمجمل الحالة التعليمية والثقافية في البلاد، دون أي أفق أو خطط لتجاوز حالة التراجع، وإعادة الجامعات السورية لممارسة الدور المطلوب منها في بناء المجتمع.