لن أقبل أن أكون فاسداً.. فما الحل؟
حدثني صديقي صباح هذا اليوم وقد حضر متأخراً ومتعرقاً لدرجة ظننت فيها أنه نتيجة للارتفاع غير المسبوق لدرجات حرارة الجو كان يسبح بثيابه في نهر أو ساقية على قلة الأنهر والسواقي الجارية هذه الأيام، فبادرت وسألته أين كنت؟ أجابني بعد تنهيدة كبيرة وكأن هموم الفقراء كلها قد انغرست فيه فقال:
«لقد ذهبت صباح اليوم لأدفع رسوم تسجيل سيارتي التي مايزال علي أن أدفع من قيمتها ثمانية وأربعين شهراً، في كل شهر 12 ألف ليرة سورية عداً ونقداً، وعلى اعتباري أنني أصبحت مترفاً ومرفهاً ومن أصحاب السيارات، فقد اهتديت مصادفة إلى شاب عرض علي المساعدة في دفع الرسوم بفترة وجيزة مقابل 400 ليرة سورية. ترددت في البداية، ولكنني أذعنت لعرضه نظراً لأنها المرة الأولى التي أقوم فيها بالترسيم، وكنت مضطراً لمرافقته كي أنهي المعاملة، ولكنني فوجئت بضرورة الدفع لما يسمى عقد التأمين الإلزامي، علماً بأنني مؤمّن على سيارتي لمدة 3 سنوات بعقد تأمين شامل، بعد ذلك تبين لي أنه يتوجب علي دفع 1100 غرامة تأخير عن دفع الرسوم ليوم واحد، ولا أحد يدري بأنني استدنت قيمة الترسيم من أحد أصدقائي، هذا إضافة إلى عدد من الضرائب المفروضة على السيارة كالمجهود الحربي ورسم البيئة وغيرها، ولكن المفاجأة الكبرى التي هزتني هي أنه علي كما قال لي الشاب المرافق، التغاضي عن عشرات الليرات للجباة الذين أدفع لهم الرسوم، وإلا فلن أستطيع إنجاز المعالة هذا اليوم. هنا توقفت قليلاً وترددت، وبعد جدال لم يطل كثيراً، أذعنت وقبلت بأن أكون راشياً مجدداً بالرغم مني، وتذكرت أنني قمت بذلك عند تركيب عداد الماء، وعداد الكهرباء، وخط الهاتف، وعند تسجيل ابني في أحد مدارس المتفوقين، وعندما خالفت الإشارة الضوئية، وعندما خالفت السير في اتجاه ممنوع، وعندما.. وعندما..».
هنا تذكرت المثل القائل (مكره أخاك لا بطلاً)، وأدركت بأنني أعيش مثل الكثيرين في مجتمع دروبه مملوءة بالألغام، ولسنا بقادرين على تجاوزها أو إزالتها ونحن مشتتون، وعلينا مجبرين أن نقع في شركها شئنا أم أبينا، ومنها اللغم الأكبر وهو الفساد. وتابع قائلاً: «أنا مضطر لأن أكون فاسداً أو مفسداً راشياً أو مرتشياً فما العمل؟
هنا أجبته وقلت متأثراً بحالته: نحن يا صديقي من يمهد التربة المناسبة لانتشار الفساد الذي ابتدعه الناهبون الكبار كانتشار النار في الهشيم، وعلينا ألا نتنازل أمامه وألا نسقط الحل من أيدينا فنلبي الفساد تجنباً لما قد يفعله ضدنا من تأخير في إنجاز معاملاتنا. علينا فضحه وفضح أساليبه.. إن التربة الخصبة له هي أن نكون مسالمين ومستسلمين، والهوان فينا معشعش.. وإننا لقادرون على توجيه الضربة تلو الأخرى له إن وقفنا بوجهه مجردين في وجهه سيوف مواقفنا الشجاعة وخناجر مواقفنا الصلبة.. هذا هو الحل يا صديقي.
نظر إلي نظرة إشفاق ثم ذهب قائلاً: «عذراً فخط الهاتف معطل، وعلي الإسراع لأجلب العامل من المقسم لإصلاحه»!!.