الفصل الخامس الكهربائي.. المنخفض الهندي والمواطن يتشاركان تهمة الحر والعتمة!
إيمان مريضة الربو صرخت من دون صوت، فحالة الربو التي تعيشها منذ سنوات تزداد في فصل الصيف، قالت لي لا استطيع النوم، وهم يقنون الكهرباء في مرتين، صباح مساء كأنها وصفة طبيب. أما عبد الهادي فقد أخذ ابنته ذات الشهرين إلى الطبيب مرتين، وهذه ليست قصته، إنما الحرارة المرتفعة لطفلته وحرارة الطقس، وانقطاع الكهرباء. قال لقد خرجت عن طوري، ماذا أفعل؟ هذا غير حالات مرضى القلب، وضيق التنفس وسواها من أمراض الصيف.
على قارعة الطريق أمام البيوت، تجلس النسوة في الريف بحثاً عن نسمة هواء عابرة، فالنوم فارق أغلب العائلات التي لا تمتلك ثمن مكيف، أو لا تقدر على دفع فاتورته، فالمراوح العادية لا تفعل سوى لفح الوجوه بالهواء الساخن.. هذه حال البسطاء في موسم التقنين، الموسم الذي يحفظونه مثل الفصول الأربعة، ومواسم الحصاد وقطاف التين والعنب.
إشارات تقنينية
يحلف أبو أحمد صاحب محل سمانة: والله.. من اللحظة التي شاهدت فيها على شريط التلفزيون نصائح وزارة الكهرباء أحسست فيها أن التقنين قادم.
الموشح الوزاري، والنصائح التي تسديها وزارة الكهرباء عن التوفير في استخدام الطاقة، وعن الحرص على تخفيف فاتورة الكهرباء عن المواطن، وعن ضوء الشمس وفوائده..وأن إطفاء مصباح واحد يوفر على المواطن والوطن ما سيخسره في المستقبل من حصته الكهربائية.. الموشح الذي يسبق خطوة التقنين التي حفظها بسطاء الناس عن ظهر قلب.
السنوات الأخيرة كانت الأكثر قسوة على صيف السوريين، ونهاراتهم الطويلة، وليلهم الطويل القائظ، في السنة الماضية بلغت ذروتها، وصار برنامج التقنين من أكثر صاحب أكثر قراءات على المواقع الالكترونية، وعلى صفحات الجرائد، والوزارة الكهربائية رتبت وقتين للتقنين في الصباح، وفي المساء، ورتب الناس وقتهم وبرنامج مشاويرهم على برنامج الوزارة، لكن هذه المرة بدأ التقنين عشوائياً، ويخشى الناس أن يستمر المنخفض الهندي، وتستمر معه حجة التقنين إلى رمضان، وهذا ما سوف يجعل لصوم الشهر أجرين، اجر الصبر على الصيام، وأجر تحمل التقنين.
غير عادل
أغلب المناطق طبق عليها البرنامج العشوائي، والذي يأمل المواطنون أن يتم ترتيبه ليقينهم أنه لن يلغى، على الأقل يمكن التأقلم بيولوجياً على وقت الانقطاع، والحرارة، لكن ما يثير عند البعض هو عدم العدل في ساعات التقنين.
ففي مشروع الحسينية يتم قطع الكهرباء ساعتين من الثالثة بعد الظهر وحتى الخامسة، بينما جيرانهم في (الديابية) فيتعرضون إلى سبع ساعات مظلمة وخانقة، من الثانية والنصف حتى التاسعة والنصف.
بعض المناطق طبق عليها فوراً نظام البرنامجين، في الصباح من الحادية عشرة حتى الواحدة، ومن السابعة حتى التاسعة، وهذا البرنامج يدور بالعدل على المناطق العشوائية في الريف، بينما في المدينة التي تستهلك النسبة الأكبر من الكهرباء فيتم القطع ببرنامج أقل حدة.
بعض المناطق يتحكم فيها مزاج من بيده مفتاح(خزان الكهرباء)، فالقواطع الكهربائية يرتبها حسب هواه بين مرفوع وهابط، أحد المواطنين قال متهكماً: أنا أعرف عامل الكهرباء الذي يفصل القواطع، ذهبت إلى بيته خوفاً من أن ينسى إعادة التيار، أو يذهب في مشوار مع صاحبته فهو أعزب.
سوق المكيفات
في السنة الماضية استعرت حمى الشواحن والمولدات الصينية، لا يوجد على الأغلب بيت سوري فقير الحال أو متوسطه دون شاحن بحبيبات قلت أو كثرت، كذلك كلما ارتفع الدخل المادي للشخص زادت استطاعة مولدة الكهرباء، وأما المحلات التجارية والمطاعم فالمولدة جزء منها.
هذا العام تآمر المنخفض الهندي بحرارته الاستثنائية مع الفاقد الكهربائي، وعدم وجود محطات توليد بديلة، مع تجار المكيفات.
السوق تشهد حالة بيع قد تكون الأعلى للمكيفات بأنواعها في سورية، من الصحراوي الذي يعمل بالماء البارد، وصولاً إلى المكيف الكهربائي بالغاز، والحاويات امتلأت بالعلب الكرتونية للمكيفات.
بدوره المواطن الذي يستعد لموسم في مواسم متعددة لا ينقصه قسط جديد، والتجار يدركون ما تفعله الأزمات بالمحتاجين، فيكثرون من العروض، ويرفعون الأسعار، فالذي كان سعره 18000قفز إلى 25000ليرة، وكذلك زاد القسط إلى الضعفين، والمحتاج أحمق.
وزارة الكهرباء تقول بأن سبب التقنين إن حصل (وقد حصل) سيكون سببه المواطن، والحرارة المرتفعة.
الحرارة المرتفعة ليست بالحجة الوجيهة، فارتفاع الحرارة في الصيف أمر طبيعي، وهذا لا ينطبق على بلدنا وحدها، فصيف العالم يعني الحرارة، وإن زاد من صدقية الحجة الحرارة غير الاعتيادية هذا الصيف.
في تحميل المواطن السبب، في عدم التوفير في استهلاك الطاقة، والاعتداءات الكثيرة على الشبكة، وعدم الوعي في استخدام الكهرباء، هذا مرده إلى عامل حكومي وليس إلى المواطن.
العشوائيات التي تقصد الوزارة تحميلها ليست في الأصل إلا نتاج تقصير في معالجة المشكلة التي وصلت حد الاستفحال، وقبولها كأمر واقع، فلولا التأخر في استصدار المخططات التنظيمية وامتناع الجهات الإدارية عن الاعتراف بهذه التجمعات، والقبول بها على الأرض كمستجر غير نظامي للكهرباء والماء، ومستخدم عشوائي للصرف الصحي ساهم في خلق مشكلات ليس الآن مجال نقاشها...لولا كل هذا التقصير الذي صار سبباً، لم ندخل في أزمات متوالية، فالمواطن ليس مسؤولاً عن مشاكل لم يخلقها مختاراً.
التجمعات التي تعتدي على التيار الكهربائي لم يؤمن لها البديل النظامي، فما زالت بعض هذه التجمعات في ريف دمشق على سبيل المثال ترتبط بشبكة الكهرباء عبر أسلاك ممدودة على الأرض بشكل عشوائي لمسافات طويلة(عدا عن الأخطار القاتلة وقت الشتاء)، وأمام أعين مسؤولي الكهرباء، وعند تقديم بعض المواطنين لطلبات استجرار نظامية، يكون الجواب: ممنوع تخديم المناطق المخالفة، بين هذا الرأي غير الواقعي، وواقعية عمل المواطن في تخديم نفسه بطرق غير شرعية...نصل إلى ما نحن فيه.
لكن الوزارة لا تجد بداً من الاعتراف بما تتحمله من أسباب، فهي تقول بأن محطات التوليد لا تكفي وتحتاج إلى محطات جديدة، وبعضها قد دخل في سن التقاعد ولم تعد تجدي معها محاولات العلاج الكثيرة، وهي تتخذ مجموعة من الإجراءات من أهمها الاستثمار في مجال الطاقة مما يعني إنشاء محطات توليد خصوصاً في المنطقتين الجنوبية والشمالية الشرقية، ، بهدف جعل مراكز التوليد قريبة من أماكن الاستهلاك ، وهذا بدوره سيؤدي إلى خفض نسبة الفاقد الكهربائي والتي تكبد الدولة خسائر بالمليارات.
الفاقد الكهربائي
الفاقد الكهربائي يشبه إلى حد كبير الماس الكهربائي، فهما يتحملان تهمة (ضد مجهول)، وتتناقض الأرقام التي تصدرها الوزارة مع دراسات بحثية، وآراء لمختصين في الطاقة، ففي الوقت الذي تعترف فيه الوزارة بأن هذا الفاقد قد وصل إلى نسبة 3.24 بالمئة في عام 2006 فإن اقتصاديين ودارسين أكدوا أن النسبة وصلت إلى 35%، أما عما يوازيه مالياً، قد أشارت بعض الدراسات الحكومية بأن قيمة الفاقد الكهربائي للعام 2003 وصل إلى حدود 14 مليار ليرة.
بعض الدراسات التي يمكن أن نقول إنها غير متفائلة تقول بأن الفاقد الكهربائي وصل في سنوات قريبة إلى 37%، بينما لا تصل هذه النسبة عالمياً إلى 11%، وهذا الفاقد المسموح به عالمياً.
بعض المسؤولين في قطاع الكهرباء يرون أن هذه النسبة من الفاقد الكهربائي ليس من السهولة تخفيضها، بل تحتاج إلى جهود كبيرة من جهات مختلفة إضافة إلى تعاون المواطنين كما أنها تحتاج إلى استثمارات هائلة في مجال إنشاء الشبكات الكهربائية وعمليات الاستبدال والتجديد.
يقول مصطفى شيخاني معاون مدير عام مؤسسة توزيع واستثمار الطاقة الكهربائية إن لدى وزارة الكهرباء برنامجاً لتخفيض الفاقد الكهربائي خلال الخطة الخمسية العاشرة /2006-2010 /بحيث يصل إلى 20٪في عام 2010، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات يأتي في مقدمتها إنشاء العديد من محطات التوليد في المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية ، وإنشاء المزيد من محطات التحويل وتنفيذ 2000كم خطوط 66 ك.ف و13،500كم خطوط توتر متوسط و2،300 خطوط توتر منخفض بالإضافة إلى الاستمرار في تغيير العدادات القديمة وصيانة عدادات المشتركين دورياً وخاصة المشتركين الكبار على التوترات العالية بالإضافة إلى السعي مع السلطات المحلية لوضع حدود لمناطق المخالفات بهدف الحد من توسعها العشوائي .
ولا تجد الوزارة مجالاً للحديث فيه عن البدائل إلا وتدلو فيه بدلوها، فمن برنامجها إلزام المواطن في خطة بديلة يراد منها نقلنا إلى ما يسمى الطاقة البديلة أو النظيفة، وكلنا يعرف الدروس التي تحملنا وزر استماعها عن الشمس العربية، التي من الممكن أن تكون بديلاً للطاقة لا سبباً في حرماننا منها، فالطاقة الشمسية لم تعمم بعد، وما يزال القطاع الخاص يعتبرها استثماراً غير مجد، والحكومة لا تبذل الجهد الكافي لتحويلها إلى بديل حقيقي بإعانة المواطن على استخدامها، وتوفير السبل لتكون في متناوله.
على الأرض
ما زال المواطن يستجر ويخالف القانون، وتصدر بحقه العقوبات، وقضايا الاستجرار غير المشروع قد تكون من أكثر القضايا في قصور العدل، والوزارة ما زالت ترى في المواطن وبعض تقصيرها والمنخفض الهندي أسباباً هامة في أزمتنا الكهربائية.
في الواقع يجب أن ينتهي هذا التحقيق لأن التقنين قد ينهيه على حين غرة.