امتحانات الشهادة لثانوية تقييم ظالم والطالب الجدي مغبون
أصبحت امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي عبارة عن لعبة مركبة، من التمثيل والمعارك والرعب والقلق، يشارك فيها كل من وزارة التربية والمدرسين والطلاب والأهل، ولكل منهم دوره المنسجم مع واقعه وظرفه وضروراته.
ظاهرة الغش الامتحاني ليست جديدة، وهي تستفحل منذ ما يقارب عقد من الزمن، بالتوازي مع تراجع مستوى العملية التربوية والتعليمية في البلاد، وتفشي الفساد، وتخلف طرائق التقييم، وعدم توافقها مع مستوى التطور العلمي، والتربوي، ولكن هذه الظاهرة تفاقمت بشكل استفزازي في سنوات الأزمة، لتأخذ شكلاً مفضوحاً في بعض الأحيان، حيث زاد على مكونات اللعبة الامتحانية مركب جديد يتمثل بنيل الشهادات تشبيحاً في بعض الأحيان، على مبدأ تعميم التعفيش ليصل لمستوى تعفيش العلامات والعلم، وخاصة على مستوى الشهادة الثانوية.
ولم لا؟ طالما الأمر برمته عبارة عن لعبة كبيرة يطغى عليها الكذب والمناورة وتجميل الصورة، على حساب المجدين من الطلاب وذويهم، والملتزمين من الكادر التعليمي والتدريسي والتربوي.
استهتار بدور المراقبين
التصريحات الرسمية تقول أن العمليات الامتحانية تسير بشكل جيد ضمن أجواء من الراحة والهدوء ووفق التعليمات، ولكن واقع الحال يقول أن التسيب والاستهتار هما سيدا الموقف في الكثير من الأحيان خلال سير العمليات الامتحانية، وخاصة الثانوية العامة، مع تعدد وسائل الغش وتنوعها، بمصاحبة عدم الاكتراث بسلطة المراقبين في القاعات الامتحانية، وما يرافق ذلك من سلوكيات تقترن أحياناً بالتهديدات الصريحة لهؤلاء بحال محاولتهم القيام بواجبهم داخل القاعات، وإلا فإن أساليب القمع والضرب وغيرها هي البديل، وهو ما حدث ويحدث، مع تزايد دور الشبيحة ومعفشي العلامات.
بين الواجب وانعدام الحماية
المراقبون، من المعلمين والأساتذة المساعدين والأساتذة، بغالبيتهم يذهبون إلى المراكز والقاعات الامتحانية مرغمين ومكرهين، تحت وطأة التهديدات المباشرة من التربية بحرمانهم من أجورهم وتعويضاتهم ومستحقاتهم، ناهيك عن العقوبات الإدارية الأخرى، وذلك من خلال خبراتهم السابقة عن سير العمليات الامتحانية وأجواء المراقبة الشكلية الطاغية عليها، وخاصة بتلك المراكز والقاعات التي يتواجد فيها بعض ذوي النفوذ أو أقربائهم ومعارفهم، مما دعى الكثير من هؤلاء المراقبين لأن يكونوا مغمضي الأعين عن الكثير من الممارسات والتجاوزات والغش داخل القاعات، حرصاً على سلامتهم وأمنهم من شر هؤلاء، كما أن حالة من الترقب والرعب تطغى على الكثير منهم، حيث لا يمكن لهم أن يغضوا الطرف عن أي تهديد من أي كان، ومهما صغر، بظل حالة الفلتان القائمة، وضياع الحقوق، مما دعى بالنتيجة أن يتصارع المراقب مع نفسه بين الواجب الملقى على عاتقه وضميره وبين الواقع المتمثل بالفلتان والتشبيح، وغياب أي دور للتربية أو غيرها بحمايتهم. ولعلنا لم ننس الكثير من الحوادث التي جرت خلال السنوات المنصرمة وضاع بمقابلها حق بعض المراقبين متحملين الإهانات والضرب وغيرها من الأشياء السيئة التي تعرضوا لها.
التربية ليست بعيدة لكنها غائبة
بعض المراقبين ممن يتم تكليفهم ببعض المراكز الامتحانية التي يخشون أن يكون فيها بعض من الممارسات التشبيحية، يتقدمون بطلبات من أجل تغيير مراكز مراقبتهم، ولكن دون جدوى عملياً، علماً أن بعض المراكز يقول عنها بعض المراقبين أنه تم شراؤها كاملة من قبل البعض من المتنفذين والفاسدين، ترهيباً أو ترغيباً، وما يرتبط بذلك من الفوضى المصاحبة للعملية الامتحانية في المركز، وبالتالي الغياب التام لأي دور للمراقبة فيها.
التربية ليست بعيدة عن معرفة تفاصيل ما جرى ويجري داخل القاعات الامتحانية، أو على أبواب المراكز الامتحانية، كما لا يغيب عنها معاناة المراقبين كما معاناة الطلاب وذويهم، وعلى الرغم من ذلك لم تبادر إلى سد الثغرات التي تمرّ عبرها أساليب الغش على تنوعها وتعددها، وخاصة تلك المرتبطة بوسائل الترهيب والتشبيح، وجل ما قامت به الوزارة بالتعاون مع الاتصالات أن قامت بقطع الاتصالات الخلوية خلال مدة الامتحانات، وفي الوقت نفسه يقوم بعض مدراء المراكز الامتحانية بتوجيه المراقيبن «بغض النظر» داخل القاعات بشكل ضمني، وبعضهم يقوم بذلك بشكل مباشر.
الطالب الجدي أول المتضررين
لعل أول المتضررين، من واقع العملية الامتحانية، والسلبيات التي تتخللها، هو الطالب الجدي، سواء كان من حيث جانب نظام التقييم والامتحانات، التي قد تطيح بجهد طالب خلال ساعة امتحانية واحدة، أو من جهة تفشي ظاهرة الغش الامتحاني، والفوضى المرافقة للامتحانات.
التشكيك بسوية العملية التعليمية
نعلم جميعاً ما نال القطاع التربوي خلال السنوات المنصرمة من عمر الحرب والأزمة من تدمير للبنى التحتية الخاصة به، كغيره من القطاعات الأخرى في البلد، وما رافق ذلك من تفويت الفرصة على الكثير من التلاميذ والطلاب على استكمال التحصيل الدراسي والعلمي، ويسجل في هذا السياق ايضاً الالتزام من قبل المعلمين والمدرسين والأساتذة والكادر الإدراي والتربوي من أجل استمرار العملية التعليمية في البلاد، الأمر الذي يجب مواكبته وعدم التساهل به من قبل وزارة التربية وغيرها من الجهات الأخرى، من أجل عدم التراخي بشأن السوية التعليمية ومخرجاتها وخاصة على مستوى الشهادات، حيث أصبح أمر سوية الشهادات مشكوكاً به، حتى من قبل وزارة التعليم العالي، التي لم تخف تشكيكها بتلك السوية غير مرة، وقد ربطت ذلك بغيرها من التوجهات بما ينسجم مع سياستها التعليمية التي لا تخلو أيضاً من الارتجالية لمصلحة التعليم الجامعي الخاص، اعتباراً من إجراءاتها المتمثلة بمعدلات القبول الجامعي، وليس انتهاءً بما درجت عليه من فرض سنة تحضيرية على كليات الطب والصيدلة، والهندسات، وغيرها من السياسات والتوجهات.
العملية الامتحانية تمس المستقبل
الامتحانات تمس بشكل مباشر الملايين من السوريين عملياً، من الطلاب والأهالي والمدرسين والكوادر الإدارية وغيرها، حيث وعلى سبيل المثال فإن عدد الطلاب المسجلين للتقدم لامتحانات الشهادة الثانوية بفروعها كافة وصل لنحو 190 ألف طالب وطالبة هذا العام، وقد خصصت وزارة التربية بحدود 1750 مركزاً امتحانياً في المحافظات كافة لهؤلاء. كما أن مجمل العملية الامتحانية تمس بشكل مباشر مستقبل سورية والسوريين عموماً.
إعادة النظر بطريقة
التقييم حاجة ملحة
والحال كذلك فقد بات من الهام إعادة النظر بمجمل العملية التعليمية في البلاد، بمدخلاتها ومخرجاتها، وبمراحلها كلها، بدءاً من المناهج، مروراً بسير العمليات الامتحانية وآليات وأنماط تحديد مستويات الطلاب العلمية والمعرفية، بالشكل الذي يحد من وسائل الغش بمختلف أشكالها، وليس انتهاءً بربط مخرجات التعليم، بمستوياته كافة، بالاحتياجات العملية المرتبطة بغايات التطور العام المستقبلي على المستويات المختلفة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.