حرب.. وبيروقراطية.. وتفكك أسري...  وزواج عبر (سكايب)!

حرب.. وبيروقراطية.. وتفكك أسري... وزواج عبر (سكايب)!

لم يتمكن «أحمد. ت» من إحضار خطيبته إلى حيث يقيم في السعودية، والتي لا يوجد فيها سفارة سورية، حيث لم يتوقع أن يكون سفره عائقاً في طريق «لم شمله» مع الفتاة التي أحب لسنوات، قبل أن يتمكن من خطبتها مع توافر الظروف المناسبة، لكن فرحة أحمد بخطبته لم تتم بسبب رفض وزارة الخارجية تصديق وكالة عقد زواجه، لعدم تواجد سفارة لسورية حيث يقيم، بينما لا يمكنه مغادرة السعودية إلى دولة قريبة تتواجد فيها سفارة، فمغادرته خارج الحدود ستكون نهاية مستقبله المهني، حيث تمنعه القوانين السعودية من الدخول مجدداً، ناهيك عن التكاليف المرتفعة للسفر بين الدول..

وجود سفارة شرط تثبيت عقد الزواج
يواجه السوريون خارجاً مشاكل تتعلق بإمكانية تثبيت عقود زواجهم، حيث قد يقوم رجل وامرأة بتنظيم عقد الزواج عرفياً في البلد الذي يكونان فيه، ومن ثم تبدأ رحلة البحث عن طريقة تثبيته في المحكمة الشرعية، وتكون عبر وكالة ترسل عن طريق سفارة سورية في البلد الذي يقيمان فيه، وبعدها لتصديقها من وزارة الخارجية ليتم تثبيت العقد في النهاية، إلا أن أبرز مشكلة تواجه السوريين خارجاً هي عدم تواجد سفارة في البلد التي يوجدان فيها، وهنا تمتنع الخارجية عن تصديقها كونها لم تصدق من السفارة، ويتوجب عليهم الذهاب لأقرب بلد فيه سفارة لسورية، ما يتطلب جهداً وتكاليفاً إضافية، قد تكون سبباً في  إحجام الكثيرين عن السعي لتثبيت زواجهم.
وكشف القاضي الشرعي الأول في دمشق لجريدة (قاسيون) محمود المعراوي عن اقتراح بوجود دراسة في وزارة الخارجية بأن تقوم بتصديق الوكالات واستيفاء الرسم القنصلي عوضاً عن السفارة، ومن ثم تصدقها بختم الخارجية، على أن يرسل المقترح لوزارة المالية لحل المشكلة، التي تحمل في أبعادها مشاكل اجتماعية كبيرة، تتعلق بإثبات حق الزوجة لاحقاً ونسب الأولاد في المستقبل.
شروط تفرط بحق الزوجة والأولاد
وتابع معراوي: إنه في بعض الحالات قد تكون المخطوبة أو الزوجة لاتزال داخل البلاد والرجل خارجاً، وترغب باللحاق بزوجها، وعند إرسال وكالة إلى وزارة الخارجية لتثبيت الزواج الذي يعقد بعد مغادرة الخطيب، ترسلها بالتالي الخارجية إلى وزارة الداخلية للموافقة عليها، لكن غالبا تأتي الإجابة بعدم الموافقة، وهذا يتعارض أيضاً مع حق الزوجة من النواحي كافة، وحق الطفل في نسبه لوالديه لاحقاً مع أي ظرف قد يواجه أحد الوالدين، إضافة لعدم القدرة على تسجيل الأطفال في المدرسة أو لم شملهم لعدم وجود إثبات لدى الأب بنسب أولاده له، والميراث لاحقاً.
وأردف: أنه كل يوم تأتي وكالة أو وكالتين مع عدم الموافقة من قبل وزارة الداخلية، ونقترح اقتصار الموافقة على وزارة الخارجية وعدم الحاجة لموافقة جهة ثانية للتصديق.
فوضى قانونية
 في المناطق الساخنة
وفي حالات بدأت بالازدياد، مع استمرار الأحداث في مختلف المناطق، وكثرة حالات فقدان الأشخاص، جاءت «أم مروان» من دير الزور تريد عقد زواجها على رجل يرافقها، وبعد إعطائها الإذن بالزواج وأثناء شروع المأذون بكتابة العقد اكتشف من خلال كلامها أنها متزوجة, وعندما استجوبها القاضي الشرعي بدمشق اعترفت بأنها متزوجة وأن زوجها مفقود منذ أكثر من سنة وأن أحد «المشايخ» هناك أفتى لها بأنها تُعد مطلقة وأنها تستطيع أن تتزوج من غيره، فاستغلت عدم تسجيل زواجها الأول في قيود السجل المدني نتيجة الأوضاع السائدة هناك، وجاءت لتتزوج من شخص آخر, الأمر الذي رفضته المحكمة.
بينما «أم ماهر» التي استطاع زوجها الخروج من الغوطة، وفوجئ بأن زوجته استحصلت على حكم قضائي بوفاته استناداً إلى شاهدي زور, وأنها قد تزوجت من غيره رغم أنه كان يتواصل معها هاتفياً كلما سنحت له الفرصة بذلك.
وتشير المعلومات أنه حكم على نحو 18حالة بوفاة الزوج المفقود ثم تبين أنه على قيد الحياة وإنه عاد ليسأل عن مصير زوجته وأولاده وأمواله.
وفيما يخص وجود حالات زواج فوق زواج في بعض المناطق، أكدت بعض المصادر عن حصول مثل هذه الحالات في المناطق الساخنة، وخاصة انتشار حالة تعدد الأزواج للمرأة، حيث تفتي ما تسمى «بالهيئات الشرعية» في تلك المناطق، بطلاق وجواز زواج من غاب زوجها عنها لمدة أربعة أشهر أو ستة أو سنة، دون التقيد بالمدة المذكورة في القاعدة الفقهية، وقد تنجب هذه المرأة من زوجها الجديد، وربما يحصل فقدان آخر للزوج الثاني، والزواج من ثالث، وبالتالي مع انتهاء الأحداث، ستجد صعوبة في إثبات نسب أولادها في حال وجدوا، وحتى تثبيت زواجها الثاني لعدم ثبات وفاة الزوج الأول أو الطلاق شرعاً.
وتقضي القاعدة الفقهية التي أقرها الفقهاء جميعهم بأن «أية امرأة فقدت زوجها ثم تزوجت قبل انقضاء أربع سنوات على غيابه، وقبل صدور حكم قطعي باعتبار المفقود ميتاً، فإن زواجها يعد فاسداً وتعد آثمة» وقد تتعرض لعقوبة «التزاني».
وبلغ عدد حالات الزواج في سورية نحو 150 ألف حالة في العام الماضي تم تثبيتها في المحاكم الشرعية، حيث أن عدد حالات الزواج ما بين تثبيت زواج عرفي وعقود الزواج الصادرة من الدعاوى القضائية بلغت أكثر من 30 ألفاً في دمشق.
واحتلت عقود الزواج المرتبة الأولى بأكثر من 70 ألف عقد مثبت في المحاكم الشرعية، بينما جاءت حالات تثبيت الزواج العرفي في المرتبة الثانية بنحو 60 ألف حالة، وفي المرتبة الثالثة جاءت أحكام الزواج الصادرة بناء على دعاوى مرفوعة لتثبيت الزواج بنحو 20 ألف حكم.
شروط الزواج عبر الانترنت
وفيما يخص الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتثبيتها عبر وكيل في المحكمة، مع هجرة الكثير من الشباب والعائلات، أوضحت بعض المصادر المطلعة، أن الزواج الذي يتم عبر «السكايب» في المجلس الواحد وبحضور شاهدَين مدركَين وأب الزوجة، يُعتبر صحيحاً، كون الفقهاء أجازوا الزواج عبر المراسَلة، وهو أن يرسِل الراغب في الزواج إلى الفتاة أو والدها، ثم تُقرأ الرسالة مباشرةً وتجيب الفتاة أو والدها مباشرةً بالقبول.
وزادت حالات الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، حيث بلغت عقود الزواج التي تتمّ بالوكالة 50% من مجمَل العقود في المحكمة الشرعية يومياً، والبالغة نحو 60 عقداً.
وبلغ عدد حالات الزواج في دمشق، خلال 2015، 33082 حالة، فيما بلغت حالات الطلاق 7028 حالة.
يشار إلى أن مثل هذه الحالات، كانت غير موجودة أو نادرة الوجود قبل بدء الأزمة والحرب في البلاد، حيث كان موضوع الزواج يخضع لضوابط عديدة مجتمعية ودينية وقانونية تحول دونها، بينما يعتبر استمرار الاقتتال وتعدد «الهيئات الشرعية»، وانعدام تواجد الدولة ومؤسساتها في عدة مناطق، سبباً رئيسياً لاستمرار وازدياد حالات التزوير والتزويج غير القانوني، في حين تحمل مثل تلك الظواهر آثاراً اجتماعية وأخلاقية خطيرة على المدى المنظور، مع ضياع النسب وحقوق الأطفال والزوجات، لعدم قيام تلك العلاقات على أسس صحيحة وقانونية.
في وقت، يزيد التعامل البيروقراطي مع قضايا المهاجرين خارجاً من تعقيد الوضع العائلي والاجتماعي للكثيرين، ويسهم في تفكك الأسرة السورية، مع عدم القدرة على لم الشمل أو إثبات النسب والزواج، بسبب توقيع أو رسم مالي غير مستوفى!.