المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية ومبررات وجودها
تتوسط هذه المؤسسة العلاقة بين وزارة النفط والشركات الأخرى التابعة لها غير النفطية مثل الفوسفات والرخام والاسفلت ... الخ وذلك من ناحية التسلسل الهرمي الوظيفي ما يعني أن المراسلات من هذه الشركات الى وزارة النفط وبالعكس يجب أن تكون ع/ط المؤسسة وما ثبت حتى الآن وربما منذ تأسيسها ولعقود خلت أن وظيفتها تنحصر في تأخير البريد .بين الوزارة وتلك الشركات ولو انحصر الأمر على هذا لقلنا إنه أخف الأضرار مقارنة فيما لو قامت هذه المؤسسة بممارسة عمل فعلي في أي من قطاعات الثروة المعدنية، حيث تؤدي هذه الممارسة قطعا إلى كوارث حقيقية .
كلنا يتذكر المسلسل الذي أنتجته هذه المؤسسة عن وجود كميات لا حصر لها من الماس وقيامها على أثر ذلك بصرف عشرات الملايين من الدولارات لشراء آليات وتجهيزات تتعلق باستخراج الماس وتصنيعه، لكن بالمحصلة لم يتم العثور على الماس وحتى الآن، ولم يكلف هذا الأمر تلك المؤسسة الاعتذار أو تقديم التفسير اللازم وبالحد الادنى.
الشركة العامة للرخام مثال آخر
مثال آخر كان من إحدى الشركات التابعة إداريا لهذه المؤسسة الشركة العامة للرخام، وبعد تمكن هذه الشركة من الوقوف على رجليها وأصبحت منتجا قويا للرخام في سورية وبشكل استطاع فيه منافسة الرخام المستورد من الخارج ( الاردن، تركيا، ايطاليا ... الخ ) كان لا بد من التدخل السريع من المؤسسة حيث أدى تسليم إدارتها العامة للجيولوجي جمال الديري ( المدير العام الحالي للمؤسسة ) إلى تبخر انتاج الشركة وقاربت حد الإفلاس وتم اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات عن طريق رئاسة مجلس الوزراء لتبرير الاستيراد لمادة الرخام من الخارج وبالطبع على حساب الرخام السوري، وكان المخرج الخلاق لهذه الأزمة الناتجة هي حل الشركة ودمجها مع شركة أخرى أكثر تعثرا هي شركة الإسفلت ولا يمكن فهم ما هو مشترك في طبيعة الأنشطة الإنتاجية أو التسويقية أو غيرها بين الاسفلت والرخام، نشاط خلاق آخر في مجال باقي نواحي الثروة المعدنية، حيث تم إلحاق منجم الملح الصخري بدير الزور مباشرة مع المؤسسة إضافة لباقي الملاحات السطحية ( ملاحة تدمر، الجبول ... الخ ) ومعروف أن عملية استثمار الملح تتم بأكثر الطرق بدائية ولا تخضع لأي من المعايير العلمية أو الطبية التي تسمح بأن يكون منتجاً صالح للاستهلاك الآدمي، ويمكن تفسير هذا الاستيلاء من المؤسسة بشيء واحد، هو ان الاستثمار يتم حصرا من القطاع الخاص عن طريق التعهدات ولا يوجد هناك آلية لمعرفة كمية الملح المستثمرة ولا نوعيتها إذاً الهدف بات أكثر من واضح وأن الحال في مقالع مواد البناء مشابه تماما فهذه المقالع تقوم بحفر الجبال والوديان لتأمين الرمل والبحص .... اللازم لمواد البناء وهـي لـم تخضـع سـابـقـاً لأي رقابة على المواد المنتجة وكمياتها وطرق تسعيرها .... فإن ثقة المؤسسة كبيرة بالمتعهدين والقطاع الخاص الذي يتولى كافة الأعمال بهذا المجال.
و كم يشبه الحال في هذا ما خص الرمال وخصوصا مرملة القريتين، حيث يتوضع في هذه المنطقة احتياطي هائل ولم يتعرف إلى الآن إلى حدوده أو الكميات التقديرية حتى لهذه الثروة الطبيعية وهي تتوزع على عدة أنواع من الرمال، فمنها الرمل الأحمر والذي يؤمن حاجة القطر من هذه المادة المخصصة لأعمال البناء ونوع آخر من هذه الرمال وهو الأهم الرمال الكوارتزية، وهذه الرمال تعتبر الأنقى في العالم والتي يمكن استثمارها في العديد من الصناعات الزجاجية والكريستال وغيرها، ولسبب غير مفهوم تم إيقاف العمل في استثمار هذه المادة وبالمطلق، ما عدا كميات بسيطة تصدر أحيانا إلى معمل الزجاج في حلب، وتصر المؤسسة إلى الآن على عدم وضع أي برنامج إنتاجي أو تطويري أو تسويقي لهذه المادة رغم تلهف الأسواق العالمية لهذه الرمال وبأي طريقة كانت لمواصفاتها الطبيعية التي لا تملك نظيراً لها في العالم .
مما تقدم من إشارات على عمل المؤسسة العامة للجيولوجيا يطرح سؤال ملح، ترى ما هو مبرر وجود هذه المؤسسة فعلاً ؟! وما هو المبرر في تخصيص كيان اداري يتمتع بأرقى الخدمات من مكاتب وسيارات ورواتب عالية وتعويضات منظورة وغير منظورة تصل إلى حد عدم التصور؟.
ترى أما آن الأوان لاختصار وحذف الحلقات الوظيفية والإدارية عديمة الفائدة مثل هذه المؤسسة حيث وبكل بساطة لو تم تأجير الطوابق العليا في وزارة النفط والمخصصة للمؤسسة وتحويلها إلى مكاتب محامين، أو مهندسين، أو محلات سوبر ماركت للألبسة الداخلية والأحذية النسائية ... الخ . ولو تم الاستغناء عن تقديم السيارات والبنزين وتوفير العملة الصعبة الناجمة عن الايفادات الخارجية لبعض مسؤولي هذه المؤسسة ... الخ، كان ممكناً وبكل بساطة تحويل هذه الموارد إلى رصيد حقيقي للدولة بدلاً من الوضع الحالي السلبي والمشبوه لهذه المؤسسة وبكافة أوجه عملها .
شركة أخرى منكوبة ومنهوبة
إن الشركة العامة للفوسفات والمناجم هي إحدى الشركات العامة المنكوبة بالتبعية الإدارية لهذه المؤسسة ومن الواضح تماماً أن الدور الحقيقي لها في مجال الفوسفات يشابه إلى حد بعيد ما هو واقع الحال مع بقية الشركات السابقة الذكر هذا إن لم يكن الأسوأ .
مضى من العام 2012 أكثر من نصفه ولم نسمع عن هذه المؤسسة شيئا يخص شركة الفوسفات ولم يقم أي من مسؤوليها بدءا من مديرها العام الجيولوجي جمال الديري وانتهاء بآخر موظفيها ولو بزيارة واحدة لهذه الشركة أو مناجمها كذلك هو الحال في العام الذي سبقه وغيره من الأعوام اللهم إلا إن كان هناك وليمة معتبرة في أحد المناجم وعلى شرف أحد كبار الزوار فالكل هنا يملك شهية لافتة للمناسف والخروف المحشي والدجاج المقلي ... عندها فقط يمكن التعرف على بعض مسؤولي المؤسسة وفقط عندها !!
لم نسمع يوما أن المؤسسة الموقرة قد حاسبت شركة الفوسفات على عدم تحقيقها لخططها الإنتاجية سواء في خطة الفوسفات أو كشف الردم، أو على التزوير الفاضح فيما يخص كل ذلك ولم تقم يوماً بالسؤال لدى إدارة الفوسفات عن السبب في الاحتفاظ بأعلى مواقع المسؤولية في إدارتها ممن ثبت اهمالهم وعدم كفاءتهم في إنجاز المهام الموكلة لهم، والتي تم إبرازها في العديد من قرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، خصوصا القرار رقم (18/1060/4/4/م.ع تاريخ 20-10-2008 ) وغيره وغيره.
و لم نلمس لدى المؤسسة أية غيرة على تطوير إنتاج الشركة من حيث الكم والنوع فالخطط هي ذاتها يتم تكرارها وعملية التزوير قائمة كقاعدة عامة في كل ما تسوقه الشركة من أرقام تخص المنتج والمصدر من مادة الفوسفات، ولم نسمع يوما أنها سعت لتسويق الفوسفات السوري بسعره الحقيقي في الأسواق العالمية، حيث ولسنوات عديدة كان يباع الفوسفات السوري بأقل من نصف سعره العالمي وبمشاركة فاعلة من المؤسسة ممثلة بمديرها العام السابق الذكر أعلاه حيث هو عضو في لجنة تسويق الفوسفات والتي يرأسها وزير النفط، ونظن أن الدراسة التي أجراها فرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بحمص في أواخر العام 2007، خلصت إلى نتائج كارثية بخصوص صفقات بيع الفوسفات لشركات غربية بعينها وبقيمة أقل من نصف السعر الحقيقي، ولا نظن أننا بحاجة لتذكيرالسيد مدير عام المؤسسة وسيادة الوزير السابق سفيان علاو بأنه وبقدرة قادر تم رفع سعر الفوسفات السوري بعد هذا التقرير وبقفزات سريعة ( خلال ثلاثة شهور ) من ( 60 ) دولار للطن إلى أن وصل الـ ( 180 ) يورو، ولا شك أن دلالة هذا الأمر شديدة الوضوح!
تعلم المؤسسة جيداً أن عدم تحقيق خطة الإنتاج للفوسفات الخام تعزوها الشركة دائماً لعدم وجود عقود تصدير وبالتالي يتم الإنتاج حسب الحاجة التصديرية، ولم تقدم لنا لا شركة الفوسفات ولا المؤسسة تفسيراً في عدم تلبية حاجة العديد من الشركات من الدول الشرقية وبيعها الفوسفات السوري، حيث تقدمت العديد من الشركات المهتمة بصناعة الأسمدة في اوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا وغيرها بطلبات لشراء الفوسفات حتى وقامت ببذل وساطات لإبرام عقود لشراء هذه المادة لكن دون جدوى وبالتالي بقيت سوق الفوسفات السوري محصورة ببعض الزبائن والشركات الغربية فقط، ولسنا بحاجة للمزيد من التحليل للوقوف وراء السبب الحقيقي.
لم نلحظ أي اهتمام من المؤسسة بعدم جاهزية الآليات الهندسية بمختلف أنواعها في مناجم الشرقية وخنيفيس وهي بالعشرات (بلدوزرات، تركسات، دنابر، حفارات ... الخ) رغم صرف ملايين الدولارات سنويا لشراء القطع التبديلية والملايين من الليرات السورية للشراء المباشر من الأسواق المحلية ناهيك عن الكم الهائل من النفقات الأخرى والتي أدت إلى عدم مساهمة هذه الآليات وبعد كل هذا سوى بجزء يقل عن ( 40% ) في تحقيق المخطط من كشف الردم في المناجم، ويتم الاعتماد على القطاع الخاص والتعهدات وبشكل دائم، حيث بلغت مساهمة القطاع الخاص في الأعوام الأخيرة نسبة تصل إلى ( 60% ) من حجم العملية الإنتاجية.
لم تقم المؤسسة يوماً بمراجعة المجموعات الإحصائية للشركة أو دراستها وتحليل الأرقام التي تحتويها، ولو فعلت ذلك لوجدت أن الإنتاج الوهمي للشرقية من الفوسفات ولخمس سنوات فقط ( 2006-2010 ) بلغ الـ ( 1،5 ) مليون طن وأن كمية كشف الردم الوهمي قاربت الـ ( 8 ) مليون م3 شبكي وأن الأموال التي تم صرفها من الشركة فقط على هذا البند قد تجاوزت الـ ( 4،7 ) مليار ليرة سورية.
لم يخطر ببال المؤسسة يوماً أن تسأل ولو على سبيل المجاملة عن سبب عدم قيام شركة الفوسفات بتركيب واستثمار المعدات الموردة من شركة جيومين الرومانية وشركة تكنو امبورت اكسبورت البلغارية منذ أكثر من عشرين عاما حيث تعرضت للتلف بمعظمها ولم يعد بالإمكان الاستفادة منها رغم قيام الشركة بشرائها وبالعملة الصعبة طبعا وأي دور قيادي لعبته المؤسسة في منع شركة الفوسفات ولعقود من الزمن وحتى اليوم في تطوير المنتج من حيث النوع خصوصاً في تعويم الفوسفات ورفع تركيزه إلى ( 33-34 % ) وصولا به إلى منتج تصعب منافسته في الأسواق العالمية بمواصفاته وبما يحقق تسويقه بأكثر من ضعف السعر الحالي.
و لم نلمس أي تطور لدى المؤسسة أو أي أفق يتعلق بالاستفادة من جبال النفايات المتراكمة منذ عدة عقود ولا تزال يوميا في ازدياد حيث إن تركيز الفوسفات في هذه النفايات يتراوح غالبا بين ( 24-26 % ) من خامس أكسيد الفوسفور وان كمية هذه النفايات تصل الى ( 70 ) مليون طن او اكثر ولا ندري سبب إحجام المؤسسة والشركة بآن معا عن الرد على مقترحات شركتي ( ريفس وكواتيك الروسيتين ) واللتين قدمتا مقترحات بعد دراسة هذه النفايات تتعلق بإغناء هذه النفايات وصولا بها إلى تركيز ( 30،5% ) مع الاستعداد التام لدى هاتين الشركتين لتوقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة السورية وبالشكل الذي يحقق مصلحة الطرفين.
تطول الأسئلة وتطول، ونحن على يقين تام بأننا لن نحصل على جواب أي منها لا من طرف المؤسسة ولا من شركة الفوسفات إلا أن اللافت في الأمر أن في المؤسسة من يهتم بأرباح الشركات الأخرى المهتمة بشراء الفوسفات السوري وتصنيعه وتصدير المنتجات الخاصة بها إلى الخارج حيث ورد على لسان السيد ( نور ملحم ) وفي مجال تعقيبه على رسالة موجهة من شركة كيماويات لبنان ( ش.م.ل ) ( لا ندري تعمده عدم ذكر اسمها، فالأمر لا يستوجب الاستحياء هي شركة سلعاتا )، ومضمون الرسالة هو الطلب إلى شركة الفوسفات تخفيض سعرها بنسبة ( 10 % ) نظراً لتراجع أرباح الشركة اللبنانية في تسويق منتجاتها من الأسمدة الفوسفاتية والفوسفور وحمض الفوسفور ... الخ، وأن مجرد التركيز على كافة التفاصيل وتبني المظالم الواردة فيها يدل على اهتمام المؤسسة بها ولو على حساب السعر الذي يتم بيع مادة الفوسفات به وإن بدأنا بسلعاتا فسوف يتم التعميم حتماً على بقية الزبائن المستوردين لهذه المادة.
شركة سلعاتا مستورد من سورية ومصدّر اليها!
تستورد شركة سلعاتا اللبنانية من شركة الفوسفات(800،000) طن سنوياً وتقوم بتصنيع مختلف المنتجات مثل الأسمدة والفوسفور وحمض الفوسفور وتحقق أرباحاً من هذه الكمية ربما تفوق أرباح شركة الفوسفات بأكملها، بسبب اعتماد شركة الفوسفات على بيع منتجها كمادة خام وليس هناك من يفكر بتاتاً سواء في هذه الشركة أو المؤسسة بإنتاج ما يمكن إنتاجه كما تفعل الشركة اللبنانية وهذا بالطبع لو تم سوف يجعل عائدات الشركة بعشرات الأضعاف مقارنة بما تحصل عليه الآن جراء بيع المادة بشكلها الحالي ( الخام ) .
و نشير هنا إلى أن قسماً كبيراً من منتجات شركة سلعاتا يتم تصديره إلى الخارج وللمفارقة إلى سورية خصوصاً الأسمدة وبمختلف أنواعها، وللمفارقة هنا أن الشركة العامة للأسمدة تستورد من شركة الفوسفات الكمية نفسها ( 800،000) طن سنويا وبسعر التكلفة تقريباً أي أقل من السعر الذي يتم بيعه لشركة سلعاتا، لكن شركة الأسمدة عاجزة عن تأمين حاجة السوق المحلية من الأسمدة وبمختلف أنواعها ناهيك عن بقية المنتجات مثل الفوسفور أو حمض الفوسفور .
و من الطريف ذكره أن عدد العاملين في شركة سلعاتا لا يتجاوز الـ ( 300 ) عامل بينما يفوق عدد الإداريين في شركة الأسمدة بما يزيد عن الضعف، ويصل عدد العاملين في هذه الشركة إلى أكثر من ( 3500 ) عامل وطبعاً لا نملك إجابة عن سبب عدم تمكن هذه الشركة من زيادة إنتاجها بما يكفي حاجة القطر، ونترك الإجابة والتعليق لمن يهمه الأمر في هذه الشركة ووزارة الصناعة.
المطلوب استئصال كل رموز الإدارة في
شركة الفوسفات
مما تقدم أعلاه نصل إلى نتيجة منطقية لا تقبل الجدل وهي أن إمكانية تطوير الشركة العامة للفوسفات والمناجم في إنتاجها الكمي والنوعي والتسويقي والحد من هدر المال العام لا يمكن أن تحصل بوجود جهاز وظيفي إداري كما هو الآن سواء في المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية أو في شركة الفوسفات ولا بد بالتالي من التفكير جدياً باستئصال كل رموز الإدارة في شركة الفوسفات لدورهم في تأخير الشركة وفي المستويات الإدارية والإنتاجية كافة ناهيك عن المليارات التي تهدر من المال العام جرّاء وجودهم في إدارة هذه الشركة وبدعم يصل إلى حد الشبهة من إدارة المؤسسة .
نتمنى على الجهات المعنية بهذا الشأن مثل وزارة النفط والثروة المعدنية والسيد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية إيلاء هذا الموضوع ما يستحق من أهمية واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء هذا الوضع الشاذ والذي يلحق أكبر الأذى في الاقتصاد الوطني، كي لاتفقد هذه المؤسسة مبرر وجودها.