عمر كوجري عمر كوجري

ستيركو ميقري.. تمَّهل أحلامك لم تنته بعد!!

لكأنني كنت أهجس أني سأسمع خبراً سيئاً من جملة الأخبار الأليمة التي نسمعها كل لحظة وحين.. ولكن أن يكون ذلك الخبر المؤلم والمزعج هو وفاة شخص عزيز وقامة عالية كقامة ستريكو ميقري» أبو محمود».. صديقي الغالي وأخي الرائع، فهذا ما لم يكن قلبي يتهيأ له بالمطلق..

أبو محمود، الضاج بالحب ومحبة كل عارفيه، والإخلاص للحياة  ولعمله وكتاباته وأفكاره، يرضى أن يترك حصان الحياة وحيداً دون أن يكمل كل أحلامه ومشاريعه الكثيرات؟؟ كيف أخذته المنية بعيداً في مرافئها  غير الأليفة.. دون أن يحقق كل ما كان يصبو إليه في وطن كان يبغي أن يراه دائماً متألقاً عزيزاً .. جميلاً..

هنا يكمن الألم.. الكبار والشامخون كنخلات بلادي دائماً وفي غمرة انشغالاتنا الكثيرات يرحلون دون أن يعطونا فرصة أن نبادلهم الحب كما أحبونا.. أن نقبّل أرواحهم العاشقة لكل معاني الجمال في هذه الحياة التي ظلمتهم في كل خطوة خطوها.. ظلمتهم حتى في مماتهم المفاجئ. 

لقد اتصف الغالي ستيركو ميقري بنبل أخلاق عزّ مثيلها في هذا الزمن الأغبر والذي قلما يجود بالقامات السامقة.

 منذ اليوم الأول الذي التحقت بأسرة صحيفة قاسيون مدققاً لغوياً وفي أحايين قليلة كاتباً في الشأن الثقافي والمحليات، قبل سبع سنوات، قرأت إمارات الشهامة على محياه، وعرفت كم أن الكبار يملكون كاريزما وملكة يجعلونك تحبهم رغم ما تشط الحياة بينكم من اختلاف في الأفكار والرؤى والتطلعات.

 انضممت لفريق العزيز أبو محمود، والمعلم الكبير الشاعر الرقيق محمد علي طه « أبو فهد»  في التدقيق اللغوي، وكانا لي طيلة أيام العمل معهما السند في كل إشكال أو موضوع إملائي أو نحوي أختلف فيه معهما، أو اجتهد وأنا أمام قامتين كبيرتين في اللغة العربية، ولم يشعراني يوماً أنهما أغزر مني ثقافة، وأنهل علماً رغم خبرتهما الواسعة في هذا المجال ودخولي مجال التدقيق اللغوي حديثاً.   كنت انتظر إلى الصباح، وأظل في مكتب الجريدة لالتقي به، ونتناقش في شؤون السياسة ووضع البلد العام، كنا نختلف في العديد من المسائل، ونتفق على مسائل أكثر، وكان يبدي حيوية فائقة في قراءة ما أكتب من مقالات، ويناقشني فيها بعقل العارف المتعمق..

في آخر مرة قبل أيام التقيت به، ولأول مرة اناقش معه في شأن شخصي خاص به، فتفاعل مع موضوعي أيما تفاعل، وأبدى استعداده ليحل مشكلة تتعلق بي، وأبدى لي رغبته في تدقيق ديوانه الشعري الذي تأخر كثيراً، ولم يخرج للنور، قلت له: أبو محمود، أنت معلمنا في التدقيق، ولا أعتقد أني سألقط اخطاء لك، قال: لا، سأكون سعيداً إن راجعت ديواني.

وأنا قادم للصحيفة قلت في نفسي ساتصل بأبي محمود اليوم، وحينما فتحت الباب رأيت الحزن مخيماً على الجميع..

كان الخبر الأليم : وفاة أبي محمود، إذاً لن أستطيع أن أهاتفك أيها الغالي، لكن تأكد أن روحك السمحة معنا أيها الطيب .. سأظل أتذكر صوتك الحنون وضحكتك الرقيقة كثيراً كثيراً..