لم يمت حرباً.. قد يقتله الجوع
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

لم يمت حرباً.. قد يقتله الجوع

الفارق الكبير بين المداخيل والأسعار، المتزايد يوماً بعد آخر، أوصل غالبية الناس إلى حدود الجوع، بعد أن كانوا على حدود الفقر، حيث لم تعد الأرقام والإحصاءات تعنيهم بشيء، كما لم تعد التصريحات والتوجيهات ذات معنى لديهم.

 لم تعد تحتمل الكلام عن مأساتها، بل باتت بحاجة لعلاج لهذا الواقع المأزوم، ووضع حدود للمتلاعبين بمعاشهم وأمنهم، بعد أن أصبح الواقع المعيشي لهم سيئاً بشكل لا يوصف، ويتردى يوماً بعد آخر.

حديث الناس

هذه عينة مما يتداوله الناس من أحاديث عن واقعهم ومأساتهم، والتي تتزايد مع كل تصريح ناري من أحد المسؤولين، أو مع كل توجيه رسمي يطال حياة ومعيشة هؤلاء:

«طول مو أنو العالم الشبعانة هي اللي عم تصرح وتحكي بأمور الناس الجوعانة؛ فما ح يصير أي حل، هدول سهل عليهم يحكو وبس».

«حاج مسخرة! ما ح تتغير المعادلة طوال مو أنو 90% من الشعب صار تحت خط الفقر، بينما الـ 10% البقية عم يتنعموا ويترفهوا ومو صاير عليهم شي، وهدول إيراداتهم ومصروفهم بالدولار ومدعومين، وهني اللي عم يستغلوا الأزمة».

«اللي بيحاربني بلقمة عيشي هو الإرهابي اللي بيستحق أنو نحاربو، لأنو عم يقتلني آلاف المرات من الجوع».

«بدي أسأل هالمسؤولين: أديش مصروفهم الشهري؟، ومن وين عم يجيهم الفرق بين معاشاتهم ومصروفهم؟ ولا تقولوا مساعدات متلنا! لأن عيشتهم ما بتتقارن مع عيشتنا اللي ع المساعدات، ورغم هيك صرنا ع حافة الجوع، وهنن عم يغتنوا».

«وين الحل؟ تحملنا الحرب والتشرد وما متنا! كأنو عم يقولوا اللي ما مات من الحرب لازم يموت من الجوع!».

«لك شو بدك تستنى من حكومة غلت حتى القبور!».

وغيرها الكثير من الأحاديث والأقوال، اليومية وبكل ساعة ودقيقة، وبكل مكان على طول الخارطة السورية، على ألسنة المواطنين عامة، والتي تحمل المضامين نفسها، الأسئلة والاستفسارات نفسها.

الناس بحاجة حلول وليس شروح

الناس عاشت وتعيش الأزمة والحرب بتفاصيلها، وقد عانت من أهوالها قتلاً وتشرداً ونزوحاً وفقراً، وأخيراً بدأت ملامح الجوع تخيم عليهم، وهي على ذلك ليست بحاجة لمن يشرح لها ما تعانيه، بغلاف من المزاودة والوطنية الزائفة، فهي الأقدر على توصيف واقعها المعاش بمآسيه ومعاناته أكثر من المسؤولين كلهم بأرقامهم وإحصاءاتهم، بل هي بحاجة لمن يساعدها على الخلاص من هذه المعاناة بحلول وإجراءات عملية، تنصفهم وتبعد عنهم غائلة الجوع التي باتت تحيق بهم كل يوم، كما تؤمن لهم إمكانية البقاء والاستمرار بحياة كريمة، تنسيهم جزءاً من معاناتهم ومآسيهم.

فهل فعلاً لا يوجد حلول؟ وهل سيستمر المسؤولين برمي الأسباب كلها على شماعة الحرب والأزمة؟ وإلى متى سيستمر ذلك؟.

متى ستتخذ الإجراءات الرادعة بحق المتلاعبين وتجار الحرب والأزمة والفاسدين، الذين اغتنوا على حساب هؤلاء الناس؟.

هل الدولة، بأجهزتها وأدواتها العديدة الرادعة، عاجزة عن ذلك حقاً؟.

هل الحكومة فعلاً هي حكومة حرب؟ كيف ذلك وهي لم تصدر إلا القرارات والتوجيهات الاقتصادية لمرحلة ما بعد الحرب والأزمة فقط!؟ وما أصدرته كله من قرارات وقوانين أخرى زادت من إفقار الناس، وفسحت المجال للمزيد من نهبهم والتلاعب بقوتهم وعيشهم!.

الفساد أصل البلاء

الفساد الذي أطنب المسؤولون آذاننا وهم يتحدثون عنه، وكأنه شبح، عاجزون عن الإمساك به، أو الحد من أضراره، مغفلون حتى الآن أن جملة السياسات والقوانين وآليات العمل القائمين عليها، هي نفسها المسبب الفعلي لهذا الفساد، وشرط من شروط بقائه وتغوله، كما أن بعض هؤلاء من المتنفذين هم أصله ومشرعيه وحاميه. 

على ذلك هل ننتظر من هؤلاء أن يتخذوا إجراءات تحد من فسادهم وشركائهم؟.

هل من جهة رسمية واحدة أصدرت رقماً عن النهب الممنهج عبر بوابات الفساد المشرعة؟ وهل إغلاق هذه البوابة، واستعادة الأموال المنهوبة فساداً، تكفي لسد جزء من الفجوة بين المداخيل والأسعار؟.

هل أغلقت الحكومة ممرات عبور وتهريب الدولارات؟ أم أن بعضها كان له المشروعية في إخراج العملة الصعبة من البلد في وقت الحرب والأزمة!.

هل التدخل الدوري للمصرف المركزي، بطرح المزيد من العملة الصعبة في السوق، حقق استقراراً لليرة السورية، أم زاد من انهيارها، وبالمقابل زاد من رساميل المتلاعبين بالقطع ومن أرباحهم؟.

هل الإعفاءات الممنوحة ضريبياً، متعددة المسميات والمطارح، على كبار التجار والشركات والمؤسسات التجارية والمالية، حققت الغاية منها؟ أم كان لها الأثر السلبي على الخزينة العامة، وبالتالي على التمويل المفترض تغطيته حكومياً على الحاجات الأساسية وقت الحرب؟.

هل رفع الدعم عن قوت المواطن وحاجاته الأساسية، اعتباراً من الخبز، مروراً بالسكر والرز، وليس انتهاءً بالمازوت والوقود والأدوية، وغيرها، بحجة توفير بعض الإيرادات للخزينة العامة، هي إجراءات مرتبطة بحرب وأزمة؟ أم من أجل المزيد من الإحتكار والفساد والإفقار المتعمد للمواطن؟ وأين تم إنفاق هذا الفارق، الذي على ما يبدو قد تم ابتلاعه مع غيره من خيرات واحتياطات؟.

الفساد بات أكثر تمركزاً وتركزاً

كلها أسئلة واستفسارات لم تتم الإجابة عنها منذ بدء الحرب والأزمة وحتى الآن، كما لم تتخذ أية إجراءات تدل وتؤشر على وجود نية بهذا الإتجاه، بل على العكس، فجل ما صدر حتى الآن يعزز النهب والفساد، بل ويجعله أكثر تمركزاً وتركزاً، بيد فئة باتت شبه متحكمة بالاقتصاد الكلي، مستغلة أكثر وأكثر ظروف الحرب والأزمة، وناهبة ومستنزفة مستمرة له، سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر، عبر أدواتها وأذرعها المنتشرة هنا وهناك، بما في ذلك الحرب الدائرة بأطرافها المتعددة، وعلاقاتها المتشعبة داخلاً وخارجاً. علماً بأنها بعض الأسئلة البسيطة والمشروعة الواجب اتخاذ إجراءات جدية بشأنها، وإلا فإن الوضع سيستمر على ما هو عليه من إفقار وجوع وبؤس وتشرد! مع الأخذ بعين الاعتبار المساعي المحمومة من قبل هذه الفئة لاستمرار الحرب والأزمة ومفاعيلها، التي تدر الأرباح في جيوبها مع شركائها الإقليميين والدوليين، ولا ننسى طبعاً الكثير من الأهداف السياسية، غير الوطنية، الأخرى المرتبطة بشكل مباشر بذلك.

عموم الناس باتوا مدركين لهذه الحقيقة، التي مفادها أن الفساد، بأذرعه وأدواته المتعددة، بات القاتل الأكثر إرهاباً، وهم وضعوه بهذه الخانة منذ بدء الحرب والأزمة، فهل سيستمر التعامل معه على أنه ظاهرة فردية جوهرها أخلاقي، كما يحلو لبعض المسؤولين والمتنفذين أن يصفوه؟.

بئس القول! وبئس المروجين له!.