هل تحولت «أجنحة الشام» إلى ناقل حكومي..
انفردت شركة طيران خاصة، في سورية، بتوفير الحلول اللازمة، لأزمة اللاجئين السوريين في أوروبا، والراغبين بالعودة إلى بلدهم، بعد تداول قرار صادر عن الأمن العام اللبناني يمنع دخول السوريين اللاجئين الى أوروبا بطرق غير شرعية، إلى الأراضي اللبنانية وإعادتهم من حيث جاؤوا وتغريم الشركة الناقلة.
أروى المصفي
وقد سبق ذلك توفير الطرق الكفيلة بإعادة السوريين العالقين في مطار بيروت، بعد إلغاء شركة تركية لرحلتها دون سابق إنذار في كانون الثاني الماضي، ما يلقي الضوء على الآلية التي تعمل بها هذه الشركة، والدور الذي تضطلع به على حساب الدور الحكومي المفترض من المؤسسة السورية للطيران.
بطل خارق!
تمكنت شركة «أجنحة الشام» بطريقة مثيرة للتعجب، من إقناع الأمن اللبناني بالسماح لأولئك الذين يشملهم القرار، البقاء مدة 12 ساعة في مطار رفيق الحريري الدولي، وعدم إعادتهم من حيث جاؤوا، لتقوم طائرات الشركة بنقلهم إلى دمشق مروراً بالقامشلي، فضلاً عن تكثيفها رحلاتها خلال تلك المدة لنقل أكبر عدد ممكن من المشمولين بالقرار اللبناني.
وهو دور إيجابي على مستوى المواطنين السوريين العائدين إلى وطنهم، حيث وفر عليهم بعض العناء والتشرد، كما وفر بعض من النقود، على هؤلاء، وعلى الشركات الناقلة.
وفي خضم ذلك، انتاب الحكومة السورية ممثلة بوزارة النقل والشركة السورية للطيران، حالة من الصمت والغياب التام عن ساحة الأحداث، حيث ابتعدت عن الموضوع، تاركة الميدان شاغراً لتلعب «أجنحة الشام» دور البطولة المطلقة، وتتهيأ الظروف لها لتقود المفاوضات مع الجانب اللبناني، بغياب شبه تام للدور الحكومي السوري.
وبدأت القصة مع انتشار قصص معاناة السوريين في مطار رفيق الحريري من بيروت، على مواقع التواصل الاجتماعي، من سوء معاملة الأمن اللبناني لهم، ومطالبتهم بالعودة من حيث جاؤوا، إذ اشتكى السوريون من سوء حالهم هناك، ووجود الكثير من النساء والأطفال بين العائدين إلى سورية، فضلاً عن التكلفة الباهظة لبطاقات السفر من أوروبا.
وكان أولئك الأشخاص، من الذين لجؤوا إلى دول أوروبية مختلفة، سالكين طريق البحر مروراً بالأراضي التركية بداية، حيث لا يوجد على جوازات سفرهم أختام مغادرة من السلطات التركية، ما يعني أنهم خرجوا منها بطريقة غير شرعية، ومعظم هؤلاء، رغبوا بالعودة إلى سورية بعد تعثر حصولهم على اللجوء أو غيرها من أسباب.
صمت حكومي من الجانبين
وسرعان ما انتشرت صورة لقرار صادر عن الأمن العام اللبناني، عممته على جميع شركات الطيران تطالبها فيه بمنع نقل أي سوري قادم إلى لبنان، إذا تبين أنه غادر تركيا «خلسة» إلى أوروبا، ما يعني عدم استقبال الكثير من اللاجئين السوريين في حال رغبوا بالعودة إلى الوطن عن طريق لبنان.
ووفق النص الحرفي للقرار«يمنع نقل أي مسافر سوري قادم إلى لبنان إذا تبين أنه غادر تركيا خلسة إلى أوروبا، وذلك تحت طائلة إعادة المسافر السوري مباشرة على متن الطائرة التي نقلته من لبنان، وتغريم الشركة الناقلة».
ولم يتم إعلان القرار بشكل رسمي من أي جهة لبنانية، سوى ما تم تناقله عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بينما قام السفير السوري في لبنان بتأكيد صدور القرار، لافتاً إلى أنه لم يتم التنسيق مع الجانب السوري قبل اتخاذه.
وكيلها كأنه «سفيرنا»!
ومن جهتها، تلقت شركة «أجنحة الشام» القرار اللبناني، بإجراء من شأنه حل الأزمة على وجه الفور، حيث أكدت أن السوريين العائدين من أوروبا إلى سورية عبر مطار رفيق الحريري في بيروت، ولو كانوا قد خرجوا من تركيا بطريقة غير شرعية، يمكنهم الحجز على خطوط الشركة في اليوم ذاته باتجاه القامشلي، ومن ثم إلى دمشق, ويمكنهم أيضاً الحجز من أوروبا إلى الخرطوم، أو طهران ومنها إلى دمشق.
وأوضحت الشركة، أنها توصلت بعد مفاوضات أجراها وكيلها مع الأمن اللبناني، إلى اتفاق يسمح بدخول السوريين إلى لبنان، حتى في حال عدم وجود تأشيرة خروج على جواز سفرهم، بشرط مغادرتهم من خلال خطوط أجنحة الشام، وبشرط أن تكون فترة الترانزيت في مطار بيروت 12 ساعة فقط.
هذا الدور من الوساطة والمفاوضات الذي قامت به هذه الشركة الخاصة، والنتائج التي تم التوصل إليها مع الجانب اللبناني، أشبه ما يكون بالمفاوضات بين حكومات!، خاصة وأنه يتعلق بشكل مباشر بشؤون مواطنين سوريين.
إنقاذ وتبرع
وبهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من السوريين الراغبين بالعودة إلى وطنهم، أعلنت الشركة عن «سعيها زيادة عدد ساعات الترانزيت في مطار بيروت، كما تجري مشاورات لتكثيف عدد الرحلات من بيروت إلى دمشق أو القامشلي، لافتة إلى ازدياد الحجوزات منذ إعلان الحل المتخذ، كما دعت السوريين للالتزام بتلك الشروط ضماناً لعودتهم سالمين» على حد تعبيرها.
بينما تكفلت الشركة ذاتها، في كانون الثاني الماضي، بتكاليف إعادة المسافرين السوريين العالقين في مطار بيروت الدولي جميعها، بعد إلغاء إحدى الشركات التركية لرحلاتها بسبب «خلل فني» على حد قولها، كما عوضتهم ثمن تذاكرهم المدفوعة!.
سياسة التراجع للخلف وصولاً للخصخصة
وجاءت الأحداث الأخيرة، لتصب في مصلحة الصورة العامة للشركة الخاصة، في وقت تعاني منه المؤسسة السورية للطيران من مشاكل عديدة، أبرزها تعطل طائراتها واعتمادها على طائرة وحيدة, لتهيئ الظروف مجتمعة الطريق أمام «أجنحة الشام» لتكون هي الحل الوحيد، والمنقذ الدائم للسوريين في المشكلات التي تعترض تنقلاتهم.
تعيد الأحداث المتتالية مؤخراً إلى الأذهان، ومع قيام شركة نقل جوي خاصة بتوفير الحلول، في ظل إهمال المواطن من الجانب الحكومي، الدراسات والسعي الخفي لخصخصة قطاع النقل الجوي، والذي بدأ الحديث عنه قبل أعوام، وبدأت خطوات السير باتجاه تطبيقه مع منح تراخيص لشركات طيران خاصة، لتعمل في النقل الجوي كناقل وطني، في الوقت الذي لا قدرة فيه للقطاع العام متمثلاً بالمؤسسة السورية للطيران على المنافسة بأي شكل كان، بظل السياسات المعلنة وغير المعلنة التي كانت نتيجتها تراجع دور هذه المؤسسة عاماً بعد عام، لتتوج خلال الأزمة بأن أسطول النقل الحكومي أصبح عبارة عن طائرة واحدة لم تعد جاهزة، وذريعة العقوبات أصبحت مبرراً إضافياً لتلك السياسات.