وزارة التربية تعرض فيلم +18 على طلاب المدارس!
في نقلة نوعية مابين مسرح العرائس وأفلام الـ +18، عرضت وزارة التربية الفلم السوري «فانية وتتبدد» الذي يقدم نفسه على أنه يحمل رسالة للعالم عن ممارسات التنظيم الإرهابي «داعش» في سورية، على بعض أطفال المدارس الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ13 عاماً، ما أثار موجة من الجدل حول الغاية من ذلك، وعدم الترتيب بشكل اختصاصي تربوي حقيقي قبل ذلك.
الفيلم المصنف للكبار فقط، يضم العديد من مشاهد العنف والإرهاب من تعذيب وقتل، عدا عن إلقائه الضوء على أمور قد تكون غير مفهومة بالنسبة للأطفال، كعرض ممارسات دينية مشوهة يقوم بها التنظيم الإرهابي، منها سوق السبايا وتزويج القاصرات، والطائفية.
«قاسيون» حصلت على صورة للدعوات التي وجهتها وزارة التربية لأهالي الأطفال لحضور الفيلم الذي وجدت فيه الوزارة فعالية ثقافية «لإرساخ القيم الإنسانية والوطنية في نفوس الطلبة»، وذلك أثناء الدوام الرسمي ورغم ما يحتويه من مشاهد لا تناسب الأطفال دون سن 18.
رسائل غير واضحة
تقول رهام وهي طالبة جامعية إنها لم تشاهد الفيلم، لكن صديقتها أكدت لها بأن اختها وبعد أن شاهدت الفيلم في سينما الكندي بمشروع دمر وبدعوة من وزارة التربية - أثناء الدوام الرسمي -، عادت إلى المنزل تسأل أمها عن عدة مشاهد «تفصيلية» لم تفهمها، منها سبب «تقبيل الأمير الداعشي لقدم الطفلة في يوم الزفاف، وهل هو تقليد إسلامي، وما الغاية منه؟».
الفيلم تناول «توجه التنظيم نحو الجنس، وممارساته الارهابية، والطائفية وتشويهه للدين، وتلك المضامين كلها لا تناسب الأطفال، وقد تفهم بشكل خاطئ من قبلهم، وخاصة وأنه لم يتم شرح الغاية من مشاهدة الفيلم من قبل أخصائيين نفسيين»، بحسب حسام وهو والد لثلاثة أطفال فضل مشاهدتهم أفلام الرسوم المتحركة بدلاً من «أفلام الكبار».
وتابع «أنا أحمل وزارة التربية مسؤولية عرض مثل هذا الفيلم للأطفال، رغم اعتراض بعض المرشدين النفسيين في المدارس لهذا النوع من التصرفات».
لِمَ لَمْ يتم التوجه للترفيه؟
الباحثة الاجتماعية فاديا ديوب، وجدت أن كثيراً من مشاهد الفيلم كان لها «أثراً سلبياً كبيراً على الأطفال كون خيال الطفل وخاصة عند عرض مشاهد من هذا النوع بشكل مباشر ومكثف، وقالت «المشاهد كانت قاسية، ومن المفترض أن نفرغ تداعيات القلق والخوف من الحرب الدائرة في البلاد عبر الرسم والموسيقى ونشاطات من هذا القبيل بدلاً من هذه الأفلام».
وأضافت «كان للفيلم تأثيرات سلبية على تحصيل الأطفال للمعلومات واستيعابهم للدروس، وهناك من احتاج لأيام ليتجاوز ما تعرض له من مشاهد في الفيلم، مع العلم أن تلك المشاهد تكرست في اللاوعي، ويمكن أن تستعاد مرة أخرى في حال تعرض الطفل لاحقاً لشيء مشابه».
لِمَ لَمْ تحذف المشاهد +18؟
ونوهت ديوب إلى أنه «كان يجب على وزارة التربية حذف مشاهد العنف والإرهاب والتعذيب بدلاً من تكريسها في عقل الطفل، إضافة إلى عرض الفيلم على خبراء نفسيين قبل عرضه على الأطفال، لتقييم الأثر الذي قد ينجم عنه، ففي ظروف الحرب، نحاول تجنيب الأطفال مشاهد العنف قدر الإمكان»، وأكدت أن رسائل الفيلم كانت أكبر مما قد يفهمه الأطفال.
دور المرشدين في المدارس
غائب بنسبة 80%!
وعن دور المرشدين النفسيين في المدارس لمواجهة «الأثر السلبي للفيلم»، أوضحت ديوب أن «دور المرشدين النفسيين في المدرسة ضئيل جداً لقلة عددهم»، مؤكدةً على أن «التأهيل غائب بنسبة 80% عن المدارس ويجب التحرك بسرعة لأن الوقت يدركنا».
مستشار وزير التربية، علي ناعسة دافع عن توجه الوزارة نحو عرض فيلم «فانية وتتبدد» على الأطفال دون حذف أي مشهد، بحجة أن وزارة التربية تتجه نحو «تغيير مناهجها القديمة بأخرى جديدة، وأن ذلك تطلب تغييراً في المفاهيم التعليمية، ما جعل الوزارة تنظم نشاطات لا صفية بالتعاون مع وزارات أخرى خاصة وزارة الثقافة في هذه الحالة، فيلم فانية وتتبدد».
تفاصيل مبهمة وحديث غير مدروس
تغيير المناهج المفاجئ، والذي بدأ بفيلم +18، لم يكن مبرراً، حتى أنه لم يبدو واضحاً من الذي طلب بدايةً عرضه في المدارس ومن هي الجهة التي قدمت ترخيص عرض الفيلم، وهنا لم يجيب ناعسة في حديث على إحدى الإذاعات بدمشق، بصراحة عن الجهة التي طلبت الفيلم ولا الجهة التي عادت إليها رسوم الحضور التي وصلت في بعض المدارس إلى 1000 ليرة سورية.
وقال «لا تهم تلك الأمور التفصيلية، وأعتقد أن بعض المدارس نظمت رحلة الذهاب لمشاهدة الفيلم مجاناً»، مشيراً إلى أن عرض الفيلم «جاء نتيجة للتعاون مابين وزارة التربية ووزارة الثقافة»، وإلى أن الأيام القادمة قد تشهد عروضاً أخرى.
ناعسة، لم يجد في مشاهد الفيلم كلها «مايهز الأطفال»، مدعياً أن «الأطفال استطاعوا التقاط رسائل الفيلم كما هي»!.
النتائج قد تكون عكس ما تريده التربية
ويبدو أن وزارة التربية جعلت من طلاب المدارس الذين شاهدوا الفيلم، نماذج للتجربة، حيث أكد ناعسة أن الوزارة لم تقم باستفتاء أو استطلاع ممنهج لرأي الأطفال بعد تعرضهم للفيلم، قائلاً «قد نقوم بذلك لاحقاً»، مايعني أن حديثه عن فهم الرسائل وعدم التأثر بمشاهد العنف، كان غير مدروساً.
وهنا تؤكد الخبيرة الاجتماعية ديوب أن الأثر النفسي على الأطفال في مثل هذه القضايا، يظهر من خلال تصرفات وحركات تحتاج لدقة ملاحظة، منها حركة حدقة العين، والرجفة، وعدم القدرة على فهم الدروس، إضافة إلى ملاحظة حركات الطفل التي يقوم بها أثناء نومه، والتي تكون ناتجة عن قلق وخوف.
وحذرت أيضاً من أن عدم فهم الطفل للرسالة المقصودة من الفيلم قد تجعله يتقمص تصرفات الشخصيات الشريرة، وأن حالات من هذا النوع حدثت فعلاً نتيجة تعرض بعض الأطفال لأفلام رسوم متحركة تعتمد على العنف، مشيرةً إلى أن الكثير من الأطفال يتعرضون للعنف في منزلهم وفي المدرسة وفي الشارع، وقد كرس الفيلم هذه التصرفات.
وأكدت «أنه من الخطأ أن يتم تعميم حالة الإرهاب على الأطفال جميعهم، وكان يجب التنويه إلى أن ليس كل من شاهد الفيلم مهدد وقد يكون يوماً ما ضحية لتلك الممارسات، وهذا قد يخلق حالة خوف ورعب لدى الأطفال».
ويسلط الفيلم الضوء على ممارسات التنظيم الإرهابي من اغتصاب وقتل وتفجير وتشويه للدين، من خلال معاناة أم وطفلتها في صراعها مع أمير «داعشي» الذي يريد زواج طفلتها القاصر، والذي يقرر بعدها ان يخطف نور «الابنة» من المدرسة ويضع الأم في السجن لتعذيبها، وبعدها تصبح الطفلة ذات التسع سنوات «حاملاً»، ويضم الفيلم العديد من الأحداث والتفاصيل الأخرى.
أخيراً
لسنا بوارد تقييم الفيلم من أي جانب من الجوانب، بل ما يهمنا التركيز عليه هو أن الفيلم موجه للكبار، وبالتالي على وزارة التربية ووزارة الثقافة أن تكونا أكثر دراية بما يمكن أن يقدم للأطفال بهذه المرحلة تحديداً، وبحال كان من الهام إيصال بعض الرسائل عبر هكذا أفلام، أن يتم ذلك بعد دراسة متأنية، ومن قبل اختصاصيين تربويين ومرشدين نفسيين، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة حذف بعض المشاهد التي قد يكون لها تأثيرات سلبية غير مباشرة على الأطفال ومستقبلهم، مع أهمية أن يترافق عرض الأفلام «هذا الفيلم أو غيره» مع نقاشات وتوضيحات وتنويهات بإشراف متخصصين، فأطفالنا ليسوا حقلاً للتجارب، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن توجه التربية، بالنشاطات اللاصفية، سيستمر بعروض أخرى في الأيام القادمة، حسب قول مستشار وزير التربية.باختصار ما هكذا تواجه ثقافة الإرهاب والتكفير.