تفاؤل شعبي على وقع الهدنة

تفاؤل شعبي على وقع الهدنة

أسبوع كان الأهدأ منذ أعوام خمسة مرت على السوريين، جحيماً وهولاً ورعباً، حيث صمدت الهدنة المعلن عنها بنتيجة الاتفاق على وقف الأعمال القتالية، في المناطق المشمولة بالاتفاق جميعها، على الرغم من الادعاءات عن وجود بعض الخروقات هنا أو هناك، والتي لم تؤثر على المسار العام له.

 

 

تعزز  لدىالسوريين الإحساس بالأمل والتفاؤل خلال هذا الأسبوع، حيث بدأت الحياة تستعيد أنفاسها مع استعادة السوريين لبعض هدوئهم، بعيداً عن القذائف والطيران وأصوات الرعب المصاحبة والضحايا والدمار. 

أطفال لأول مرة تحت الشمس

بدأ الناس يستعيدون حركتهم النشطة عند الصباح من كل يوم، بعد أن زال الخوف والترقب المصاحب لتحركاتهم، فحركة الأسواق ازدادت، وزاد الازدحام المروري في المدن وخاصة في دمشق.

الكثير من الحدائق العامة، في المناطق والمدن المشمولة بالاتفاق كلها، صارت تعج بالأطفال الذين حرموا من متعة اللعب والحركة والنشاط خلال سنين خمس، بعض هؤلاء الأطفال كانوا لأول مرة  يعرفون معنى التواجد واللعب في الحدائق وتحت الشمس ويختبروها، فكانوا في عيون ذويهم الحياة القادمة وقد تفتحت من جديد.

تفاؤل بحل سياسي

الناس تبدلت برامج حياتهم اليومية، بما في ذلك من هم على حدود التماس من المقاتلين وحملة السلاح، على تنوع واختلاف مناطقهم وراياتهم، حيث بدأوا يتلمسون بعض السكينة والهدوء، بعد أن نسوا الاستمتاع به، حيث كان يومهم مقسماً بحسب نشاط الأعمال القتالية، أما الآن فقد بدأوا يفكرون بكيفية تقسيم يومهم، وفق برنامج آخر، أكثر هدوءاً، وأقل كلفة بالضحايا والأرواح والدمار، كما لم يخف الكثير منهم رغبته بأن تضع الحرب أوزارها عبر حل سياسي، كي يستعيد حياته المدنية، مع أهله وذويه.

الأهالي بدأوا يأمنون على حركة أبنائهم بمعزل عنهم، وتضاءلت معدلات الاتصال بهم للاطمئنان عنهم، حيث لم يعد هناك مبررات كما في السابق، فلم يعد يسمع هدير الطائرات، كما لم تعد تسمع أصوات القذائف والمدافع والهاونات، وقد عبر الكثير منهم عن تفاؤله باستمرار الهدنة ومفعول الاتفاق بعد أن الالتزام بها، معربين عن ضرورة التشجيع على المضي بها، بعد أن تعبوا وملوا من طول مدة الحرب الطاحنة، مؤكدين أن هذا الاتفاق هو الحل الوحيد أمام السوريين لاستعادة حياتهم وأمنهم.

العديد من اللاجئين أعربوا كذلك عن تفاؤلهم باستكمال الاتفاق للوصول إلى الحل السياسي المنشود، معربين عن أملهم بالعودة إلى بلدهم، بعد معاناة الغربة والتشرد، متابعين لأي بصيص أمل بهذا الاتجاه، كي يخطوا طريق عودتهم، وكي يستعيدوا نشاطهم في بلدهم، مع أهلهم وذويهم وأقربائهم وأصدقائهم.

في المناطق غير المشمولة.. 

الأهالي مع انتصار السلام 

في مناطق أخرى لم يكن للهدنة من معنى عند الأهالي، حيث لم تشمل في الاتفاق، وذلك لوقوعها تحت سيطرة المجموعات الارهابية، من داعش والنصرة وأشباهها، فما زال هؤلاء يعيشون تحت أخطار القذائف والرعب وانعدام الأمان، مثل دير الزور والرقة والسلمية وحلب والتل، وغيرها العديد من المدن والمناطق. الأهالي هناك يحسدون بقية السوريين على الهدوء والأمان الذي باتوا يعيشون به، بعيداً عن هدير الطائرات وأصوات القذائف، والرعب المصاحب عن الضحايا المحتملين، ولكنهم لم يخفوا أملهم بأن ينتصر السلام ويعود الأمن إليهم، كما غيرهم من السوريين.

مواقع التواصل الاجتماعي

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تم رصد المزاج العام للأهالي، في بعض المناطق والقرى والبلدات والمدن، حيث كان من الواضح ذاك الاتفاق العام على أهمية الهدنة وضرورة استكمال المسير باتجاه الحل السياسي الشامل، كما ظهر بعض التباين تجاه الاحتياجات وأساسيات الحياة.

الريف الدمشقي كان مقسوماً بين مناطق دخلت في حيز الاتفاق، ومناطق خارجه، وقد تباينت مواقف الأهالي فيه حسب المنطقة، حيث أعرب أهالي المعضمية عن أملهم باستكمال الهدنة ووقف الأعمال القتالية، كي يتمكنوا من الدخول والخروج من المدينة، التي ما زالت المحلات فيها مغلقة وما زالت محاصرة جزئياً، في حين أهالي التل ما زالوا يطالبون بفك الحصار عن مدينتهم بشكل نهائي، وعدم الاكتفاء بإدخال المساعدات، رغم أهميتها، أما مناطق الغوطة الشرقية، فقد استعاد الأهالي فيها بعضاً من حرية الحركة مع البدء بتنفيذ الاتفاق، معربين كما غيرهم من السوريين عن أملهم في استمرار الاتفاق.

في حلب عاصمة الاقتصاد السوري، وبعد سريان الاتفاق، عادت الحركة إلى الأسواق والحدائق، ولكن مع الكثير من الحذر والترقب، وكما غيرهم أعربوا عن أملهم باستمرار مفعولها، على أن تشمل الأراضي السورية جميعها، عبر حل سياسي شامل ينهي الحرب والأزمة بشكل نهائي، وفي إدلب وجسر الشغور، أعرب الأهالي عن تفاؤلهم بالاتفاق، حيث عاشوا الهدوء المفتقد منذ أعوام.

في ريف حماه وريف حمص وريف درعا عادت الحركة إلى بعض البلدات والقرى، التي شملها الاتفاق، ولكن في المناطق التي لم تشمل ما زال الحذر والترقب والخوف سيد الموقف لدى الأهالي هناك، حيث مازالت العمليات القتالية مستمرة، وسمعت أصوات القذائف والهاونات، كما أن أهالي العديد من القرى والبلدات في تلك الأرياف ينتظرون وصول المساعدات الإنسانية، التي أصبحوا بأمس الحاجة إليها.

الاختبار ناجح ويستكمل

هذا الأسبوع كان اختباراً، ليس على مستوى التزام الأطراف بالاتفاق، وليس على مستوى تسجيل مبادرات حسن النوايا، بل أهم ما في الأمر هو اختبار الفائدة العملية المتوخاة منه، وخاصة على مستوى المواطنين المدنيين، والتوقف عن تسجيل المزيد من الضحايا منهم، كما الحفاظ على ما تبقى من بنى تحتية وممتلكات عامة وخاصة، على طول الجغرافيا السورية.

ومع نجاح الاختبار خلال هذا الأسبوع على المستويات سابقة الذكر كافة، فإنه قد بات من الضروري والهام بذل المزيد من الجهود من أجل تعميق هذه التجربة وتعميمها على المناطق كافة، قدر الإمكان، مع التأكيد على أهمية ما تم رصده من رأي لعموم السوريين، حول ضرورة استكمال هذا المسار للوصول إلى الحل السياسي الشامل المنشود، الذي وحده القادر على اخراج سورية من حربها وأزمتها.

مساعي التعطيل لن تتوقف

كما لا بد من الإشارة هنا إلى أن أعداء الحل السياسي، وحلفاءهم من المستفيدين من استمرار الأعمال القتالية، محلياً وإقليمياً ودولياً، وأدواتهم وأتباعهم، سوف يستمرون بمساعيهم التعطيلية لهذا الحل، ولن يتوانوا عن استخدام الوسائل والسبل لذلك كافة، حسب الإمكانات المتاحة لديهم، لذلك من الهام والضروري تفويت أية فرصة يمكن أن يستغلوها ويستثمروها بهذا المجال، كما أن الإسراع بالوصول إلى الحل المنشود، يفوت عليهم الكثير من تلك الفرص.