معاناة فلاحي الجزيرة
تعتبر منطقة الجزيرة خزان أساسي للزراعة على مستوى الاقتصاد السوري، وخاصة للمحاصيل الاستراتيجية، مثل القمح والقطن، بالإضافة إلى الزراعات الهامة الأخرى، مثل الحمص والعدس وغيرها، وتعتبر هذه الزراعات والمحاصيل هي مورد الرزق الأساسي لأبناء المنطقة، إضافة إلى تربية المواشي.
معظم أبناء قرى المنطقة يعملون بالزراعة، جنباً إلى جنب مع تربيتهم للمواشي، ولكن بعد مرور خمسة أعوام على الحرب والأزمة، تضرر القطاع الزراعي في المنطقة بشكل كبير، مما وضع الفلاحين والمزارعين أمام صعوبات جدية ومعاناة كبيرة، وذلك بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، من مازوت وأسمدة ومبيدات حشرية وغيرها، بالإضافة إلى قلة الأيدي العاملة، بسبب تزايد أعداد المهاجرين من الشباب.
في الآونة الأخيرة تعرضت الأراضي الزراعية إلى غزو كبير من الفئران، ومع النقص بالمبيدات وارتفاع أسعارها، وبعد توقف الرش عن طريق الطائرات، نظراً للظروف الحالية، فقد أصبحت تكاليف عملية رش المبيدات مرتفعة، حيث بات الاعتماد على المرشات عن طريق الجرارات الزراعية، وقد وصلت تكلفة الخزان الواحد إلى أربعة آلاف ليرة، ما يعني عبئاً وتكلفة إضافية عالية تضاف على تكاليف الإنتاج.
ومع الارتفاع الكبير لأسعار الأسمدة، حيث وصل سعر الطن الواحد إلى 250 ألف ليرة، فقد أصبحت عملية استخدام الأسمدة محصورة بأصحاب الملكيات الكبيرة وأصحاب الرساميل، وحرم منها صغار المزارعين والفلاحين، حيث لم تعد الجمعيات الفلاحية ومديريات الزراعة بالمنطقة توزع الأسمدة والمبيدات، مما يعني تراجع الانتاج لدى هؤلاء، مع ارتفاع التكاليف، وما يصاحبه من تدنٍ لمستويات المعيشة.
تراجعت زراعة القطن بشكل كبير، وذلك بسبب توقف محالج الأقطان بالمنطقة عن العمل، بالإضافة إلى نقص الأيدي العاملة، بسبب الهجرة وغيرها من الأسباب الأخرى، وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي بشكل عام. وبحال استمر الوضع على هذا المنحى، فإن هذه الزراعة الاستراتيجية الهامة سوف تتوقف بشكل نهائي، ما ينعكس سلباً وبشكل كبير على مستوى الاقتصاد الوطني الكلي.
الفلاحون بالمرحلة الراهنة، استبدلوا زراعاتهم، وخاصة تلك التي تحتاج إلى أيدي عاملة، إلى زراعات لا تحتاجها، مثل القمح والكزبرة وغيرها، ولكن استمرار الوضع على ما هو عليه، وخاصة على مستوى ارتفاع تكاليف الإنتاج، سيؤدي إلى هجرة العمل الزراعي، كما يعني فقدان مصدر الرزق الوحيد للفلاحين هناك، بالإضافة إلى تحول جزء كبير من الأراضي الزراعية بالمنطقة إلى أراضي بور.
أمام هذا الواقع، ومع ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع أسعار متطلبات الحياة الرئيسية والغلاء الفاحش، أصبح الفلاحون والمزارعون في منطقة الجزيرة، على شفى الحاجة والفاقة، ما يعني ضرورة الاهتمام الجدي بتأمين مستلزمات الانتاج الزراعي كافة و بالسرعة اللازمة، وبأقل التكليف الممكنة، كي يستعيد الإنتاج الزراعي بعضاً من عافيته بالمنطقة، وخاصة على مستوى المحاصيل الاستراتيجية، مما ينعكس إيجاباً على الفلاحين أنفسهم وعلى الإنتاج الوطني عموماً.