دون منافسة وبظروف صعبة... الحديث عن مشغل خليوي ثالث وتغييب القطاع العام مجددا
الحديث عن المشغل الثالث للاتصالات الخليوية في سورية، لم يتوقف تقريباً منذ الإعلان عن باب تقديم عروض للاستثمار بهذا الصدد عام 2010، إلا أن الحديث الذي كان يدور حوله، بدا سلبياً منذ البداية، ويشير إلى صعوبة أو ربما استحالة وجود مشغل ثالث في هذا البلد الذي يدار اقتصادياً عكس تطلعات مواطنيه، فلم تعد شركات الاتصالات لملكية الدولة كما كان المفروض، وكما بات احتمال دخول مشغل ثالث، ادعت الحكومة طويلاً ضرورة وجوده لكسر الاحتكار، طيّ النسيان.
بعد حوالي 5 سنوات من إعلان الحكومة تأجيل المزاد المتوقع على المشغل الثالث لأجل غير مسمى، وانتهاء صلاحية العروض، أكد وزير الاتصالات والتقانة محمد خير جلالي مؤخراً في تصريح مقتضب غير واضح أو مفصل، سعي الوزارة لإدخال مشغل ثالث على أن يكون «قويا وقادراً على تقديم خدمات جيدة وبأسعار منافسة» على حد تعبيره.
القضية أكبر من ذلك
حديث جلالي، يعيد إلى الأذهان أحاديثه السابقة حينما كان معاوناً في الوزارة، وعندما كانت تصريحاته توحي باقتراب دخول المشغل الثالث إلى السوق بين حين وآخر دون جدوى، فقد بدت القضية أكبر من مجرد استجرار عروض وفضها لصالح الأقوى والأكثر تلبية لمتطلبات السوق.
جميعهم من تقدم إلى المنافسة في سورية على كعكة المشغل الثالث انسحبوا بعد حوالي العام من الأخذ والرد، علماً أنه كان من المقرر إرساء العقد في فترة تتراوح من خمسة إلى سبعة أشهر فقط، لكن أسباباً غير واضحة دفعت تلك الشركات إلى التراجع عن الدخول لتقاسم كعكة قطاع الاتصالات الهام مع الشركتين الوحيدتين في البلاد، عروضهما وأسعارهما وكل خدماتهما متشابهة إلى حد كبير دون أي منافسة تذكر. الحديث عن المشغل الثالث للاتصالات الخليوية في سورية، لم يتوقف تقريباً منذ الإعلان عن باب تقديم عروض للاستثمار بهذا الصدد عام 2010، إلا أن الحديث الذي كان يدور حوله، بدا سلبياً منذ البداية، ويشير إلى صعوبة أو ربما استحالة وجود مشغل ثالث في هذا البلد الذي يدار اقتصادياً عكس تطلعات مواطنيه، فلم تعد شركات الاتصالات لملكية الدولة كما كان المفروض، وكما بات احتمال دخول مشغل ثالث، ادعت الحكومة طويلاً ضرورة وجوده لكسر الاحتكار، طيّ النسيان.
من الجدير ذكره أن مراحل منح رخصة المشغل الثالث وفقاً لإعلان 2010، كانت تشمل المشاركة في مرحلة التأهيل الأولي التي تسبق مرحلتي التقييم الفني والتشغيلي والمزاد المالي المفضي إلى منح الرخصة، بحيث يقدم عرض تأهيل أولى يتعلق بإمكانيات الشركة وانتشارها وغيرها من الأمور التي تظهر قدراتها التشغيلية وملاءتها وذلك خلال مهلة أقصاها شهرين، ثم تقييم العروض المتقدمة خلال شهر من انتهاء موعد التقديم واختيار المرشحين أولياً لدخول المرحلة الثانية، التي تتضمن دراسة وتقييماً للعروض الفنية والتشغيلية والاستثمارية لتلك الشركات المؤهلة أولياً، ليتم بعدها ترشيح الشركات التي قبلت عروضها للمرحلة الثالثة التي تتضمن مزايدة بين هذه الشركات، يمكن أن تكون على عدة جولات تجري في يوم واحد يحضرها العارضون والمراقبون بحيث تحال الرخصة على الشركة مقدمة أفضل عرض مالي على أن يحدث الفائز بالعرض شركة محلية في سورية وفق القانون السوري.
انسحاب جماعي
والملاحظ في قطاع الاتصالات أن شركات عدة أبدت اهتمامها عام 2010 بالمشاركة في استدراج عروض رخصة المشغل الثالث للاتصالات النقالة في سورية، ثم انحصرت المنافسة بين شركتين هما كيوتل القطرية واتصالات السعودية، وذلك بعد أن كانتا الوحيدتين اللتين قدمتا عروضهما لمشروع المشغل الثالث، من أصل الشركات الخمس المؤهلة مسبقاً وهي- إضافة إلى كيوتل والاتصالات- كل من: تركسل التركية وأورانج الفرنسية والاتصالات الإماراتية.
ولكن الملفت هو أن أسباب إحجام هذه الشركات قائم على رفضها لأي دور للدولة في قطاع الاتصالات حيث تعود أبرز أسباب انسحاب الشركات الثلاث إلى:
حصرية البنى التحتية والبوابة الدولية في المؤسسة العامة للاتصالات (لمدة سبع سنوات).
مشاركة الدولة في عائدات الشركة المشغلة بنسبة 25%.
عدم وجود ترددات متاحة في الطيف 900 ميغا هرتز, إضافة إلى الترددات المعروضة في الطيف 1800 ميغا هرتز.
ورغم حصر المنافسة بين شركتين فقط، إلا أن موجة الانسحاب من العرض وصلت إليهما أيضاً، حيث أعلنت شركة «الاتصالات» السعودية في آذار 2012 انسحابها من المنافسة، بسبب «انتهاء صلاحية العرض» و»عدم تجديد مهلة إجراء المزايدة». بينما انسحبت بعد أسبوع كيوتل القطرية «بسبب الأحداث» في سورية، رغم أن الحكومة السورية كانت قد أعلنت في الشهر السادس من 2011، تأجيل المزاد المتوقع على المشغل الثالث «لأجل غير مسمى، خاصة وأن البنود الخاصة بالمشغل جميعها منتهية، وبانتظار اطلاع الوزراء الجدد من أعضاء اللجنة الاقتصادية عليها».
وحسب رأي باحث اقتصادي فإن أسباب رفض المستثمرين الأجانب تشير إلى أن الحكومة كانت مستعدة منذ عام 2010 لتقديم تنازلات للأجانب أو القطاع الخاص السوري، أي أنها خططت للتخلي عن فكرة عودة قطاع الاتصالات كلياً للدولة قبل 5 سنوات من عام 2016 عام العودة المفترض، وهذا ما يثبته ما انتهى إليه عقد شركتي الاتصالات الخاصتين مع الدولة، من عقود استثمار bot إلى عقود ترخيص خفضت حصة الدولة إلى 25%.
أين القطاع العام؟
عودة الحديث عن إمكانية إدخال مشغل ثالث في البلاد، رغم سوء الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر من عام 2010، ووجود حصار اقتصادي، يثير عدة علامات استفهام، خاصة وأن الفرص ستكون محصورة بشركات محدودة أكثر من السابق.
السياسة الاقتصادية في سورية تتجه نحو الخصخصة والإجهاز على القطاع العام جهراً، ويبدو أنه يتم تكريس هذا التوجه حالياً في قضية المشغل الثالث، الذي كان من المفترض أن تعمل عليه مؤسسة الاتصالات التي تحولت إلى شركة بذريعة ضرورة ذلك لتصبح قادرة على أن تكون المشغل الحصري للخليوي بعد انتهاء عقدي (سيريتل وإم تي إن).
إلا أن ذلك التوجه الذي بدأ بعقود «بي أو تي» مع شركتي «سيرياتيل» و«إم تي إن»، الغي بقرار صب بالدرجة الأولى لصالح الشركتين، عندما وافقت الحكومة السورية عام 2014 على تحويل عقود الشركتين من نظام «بي أو تي» إلى نظام التراخيص، علماً أن عقد الشركتين كان «على مشارف الانتهاء».
هل تخلت «الاتصالات» عن المنافسة؟
شركتا «سيريا تيل» و»إم تي إن» هما الشركتان المشغلتان الوحيدتان لخدمة الاتصالات الخلوية في سورية، عبر عقود أبرمت بنظام «بي أو تي» منذ 2001 ولمدة 15 سنة قابلة للتمديد 3 سنوات، على أن يتم نقل ملكية المشروع إلى الدولة بعد تلك المدة، وأن تستفيد مؤسسة الاتصالات من الأرباح في سعيها نحو تحولها إلى شركة تدخل سوق المنافسة بعد ذلك.
فقد أكدت مؤسسة الاتصالات بأن شرط حصر ملكية البنى التحتية والبوابة الدولية لها في عرض عام 2010، يساعدها في المرحلة الانتقالية لتحولها من مؤسسة عامة إلى شركة، للمحافظة على عائدات تساعدها على الانتقال إلى مرحلة التنافس الكلي، وعند العودة في العام الجاري إلى طرح قضية المشغل الثالث وقد تحولت المؤسسة إلى شركة فإن ذلك يفتح تساؤلاً أكبر فهل يشير ذلك إلى إلغاء شرط ملكية الدولة للبنى التحتية وذلك في سبيل خدمة الشركة الخاصة القادمة على حساب المواطن والدولة؟!.
حجة وزارة الاتصالات في تغيير النظام التعاقدي مع شركات الخليوي إلى نظام «الترخيص»، بأن ذلك يساعد على استقدام مشغل خليوي ثالث إلى الأسواق السورية عبر «توفير الراحة والمرونة في الاستثمار على المدى البعيد»، علماً أن عروض الاستثمار للمشغل الثالث، مذ طرحت عام 2010، كانت مبنية على أساس الترخيص وليس الـ «بي أو تي»، ما يعني أن شروط الاتصالات بدأت تأخذ منحى أكثر تسليماً لمن سيأتي.
قد يبدو الحديث عن مشغل ثالث «فقط» في سورية ضرباً من السخرية، في ظل عدم وجود مشغل للقطاع العام، وعدم وجود فرص منافسة حقيقية أمام الشركات المشغلة كلها، تعود على المواطن والخزينة بعروض مفيدة من القطاعين العام والخاص.