المواطن «درع بشري» في لعبة «القط والفأر»..   الاقتصاد تفرض غرامة على حاويات التجار فيلوّحون برفع الأسعار!

المواطن «درع بشري» في لعبة «القط والفأر».. الاقتصاد تفرض غرامة على حاويات التجار فيلوّحون برفع الأسعار!

شهدت الأسواق ارتفاعاً صادماً للأسعار جميعها خلال الأشهر الأخيرة، بالتزامن مع ارتفاع كبير لسعر صرف الدولار، رغم تدخلات المصرف المركزي المتكررة التي لم تؤت ثماراً، وبالعكس، تزامن تدخله في أكثر من مرة مع ارتفاع لسعر الصرف في السوق السوداء بدلاً من انخفاضه.

السوق السوري يشهد «خلخلة»، وارتفاع الأسعار الذي ضرب السوق ومازال، مرتبط إلى حد ما بتجاوزات قانونية، استغلها التجار نتيجة «ضوء أخضر» منحته وزارة الاقتصاد لهم سابقاً، للقفز فوق القانون مقابل عائد مادي معين على شكل غرامة، بحسب بعض التجار. وكانت النتيجة كما جرت العادة، أن يدفع المواطن من جيبه رسوم «لعبة القط والفأر» بين الكبار.
مؤخراً، بدأ التجار يشتكون من احتجاز آلاف حاويات البضائع المستوردة في موانئ اللاذقية وطرطوس لـ»اسباب مجهولة» على حد تعبيرهم، مطالبين بالحل الفوري لقضيتهم وكأنهم «ضحايا» لقرار «جائر» صدر عن وزارة الاقتصاد دون تفاصيل أو جدوى معينة!
المواطن «درع» التجار البشري
بعضهم يتحدث عن 5 آلاف حاوية، وبعضهم الآخر يتحدث عن 7 آلاف، واستمر هؤلاء التجار بإثارة البلبلة والضجة حول بضائعهم «المحتجزة» في الموانئ، مطالبين بالافراج عنها وإلا «ستبقى الأسعار ترتقع في الأسواق، وسعر الصرف سيستمر بالارتفاع».
هكذا هي المعادلة: المواطن «درع بشري، أو رهينة»، لمشاكل قانونية بين التجار ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ويجب عليه أن يدفع من جيبه شاء أم أبى، حيث جاء تحذير بعض التجار من أن استمرار احتجاز تلك الحاويات وكأنه تهديد برفع الأسعار، فتحدثوا عن أن ذلك «يدفعهم إلى تقنين طرح موادهم، الموجودة في المستودعات ضمن الأسواق، خوفاً من استهلاكها قبل إفراغ الحاويات المحتجزة، إضافة إلى أن تجاراً آخرين احتكروا بضائعهم خوفاً، منتظرين مصير بضائعهم المستوردة، وهذا الأمر ساهم برفع الأسعار في الأسواق بشكل كبير ومتصاعد».
ضرائب الحاويات رفعت سعر الصرف!
الأمر الآخر الذي (حذر) منه التجار وبمنطق التهديد، هو استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار رغم تدخل المصرف المركزي في السوق، وهذا ماحدث فعلاً مؤخراً، حيث أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، أديب الأشقر، إن «كل يوم تأخير دون إفراغ تلك الحاويات، يعني دفع التجار لغرامات تصل إلى 40 دولاراً يومياً عن كل حاوية لصالح الشركات الموردة، وذلك نتيجة عدم إفراغ الحاويات».
وأردف الأشقر إن «دفع مبلغ 40 دولار على كل حاوية، يعني استنزافاً للقطع الأجنبي من السوق السورية، وهو ما ساهم برفع سعر القطع إلى الحد الراهن»!.
ودفع مبلغ 40 دولار يومياً عن 5 آلاف حاوية، يساوي 200 ألف دولار يومياً، أي أكثر من 80 مليون ليرة سورية يومياً كضرائب تأخير، تدفع لصالح الشركات الموردة، دون أن تستفيد منها البلاد.
حقيقة اللعبة
إلى هنا، ومازال التجار يتحدثون بالعموم، وكأنهم ضحية لقرار «جائر» صدموا به فعلاً، لكن الحقيقة عكس ذلك، وهي أن هؤلاء حاولوا مراراً التهرب من الضرائب والغرامات التي تفرضها وزارة الاقتصاد على شحناتهم، عبر سلوك أسلوب ملتوي غضت الوزارة عنه البصر لأكثر من سنتين، ثم عندما بدأت المحاسبة رد التجار بالتلويح برفع الأسعار.
الطرفان، ضرباً بعرض الحائظ مصلحة المواطن، التي تأذت إثر القضية العالقة بينهما، فالحاويات العالقة، استغلها التجار لرفع أسعار السلع في الأسواق مع سعر الصرف، فهي تحوي مواداً أولية للصناعات المختلفة، لزوم الصناعيين الصغار والكبار، وتجار التجزئة.
يقول الأشقر إن «الحاويات تحمل مواد أولية منها أنسجة لزوم صناعة الألبسة، إضافة إلى ألبسة جاهزة، واكسسوارات، وأمور أخرى»، ويبرر سبب احتجازها «بقرار صدر عن وزارة الاقتصاد عام 2014، يمنع شحن البضائع إلى البلاد قبل الحصول على رخص الاستيراد».
وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية كانت تغض النظر عن بدء الشحن قبل صدور الرخص، مقابل إلزام المخالفين بدفع غرامة تصل إلى 10% من قيمة البضائع والسماح بإدخالها، لكن التجار ورغم استمرارهم بالمخالفة واستجرار البضائع قبل الحصول على رخص الاستيراد، بدأوا بالتهرب من غرامة الـ10%، بحسب ما قاله مصدر تجاري مطلع لصحيفة «قاسيون»، حيث قام التجار «بشحن البضائع تجاه المناطق الحرة، ما يعني تهربهم من الضرائب المفروضة».
غضّت وزارة الاقتصاد الطرف عن ذلك منذ عام 2014 وحتى شباط الجاري، وأصدرت قراراً بمنع إدخال المستوردات عبر المناطق الحرة، إلا للبضائع لزوم المنشآت الصناعية الموجودة ضمن المناطق الحرة نفسها، وهذا هو السبب الحقيقي لتوقيف آلاف «الكونتينرات» في الموانئ مؤخراً، بحسب المصدر.
الحاويات مخالفة!
كل ما سبق يعني أن الـ5000 حاوية، جاءت مخالفة إلى موانئ البلاد، كونها لم تحصل على إجازة الاستيراد، وتوجهت نحو المناطق الحرة، وهنا طرح التجار على وزارة الاقتصادر والتجارة الخارجية «على حد تعبير المصدر، «إعادة فرض الغرامات عليهم بنسبة 10% من قيمة الحاويات، والسماح بإدخالها، إلا أن الوزارة رفضت ورفعت القضية عن كاهلها، ورمتها على طاولة رئاسة مجلس الوزراء».
ولو دخلت.. المشكلة قائمة
«5 آلاف حاوية، ولو فرضنا أن كل حاوية تحمل على متنها  10 طن من البضائع، يعني ذلك احتجاز ما يقارب 50 ألف طن من البضائع وهو ما يعني أن التجار وبهذه الكميات الهامة يستطيعون الضغط على السوق برفع الأسعار، مستفيدين من الفجوة بين العرض والطلب، وسيبقى جيب الموطن ضحية كما المعتاد» بحسب المصدر.
ولكن السؤال الملح هو أنه وفيما لو تم حل القضية ودخلت تلك الحاويات إلى السوق بعد مدة الاحتجاز الطويلة كلها فهل ستنخفض الأسعار؟ بالتأكيد لا، فكما العادة سيحمل التاجر الغرامة التي دفعت على السلع بالقطع الأجنبي على تكلفة السلعة، بالإضافة إلى تغيرات سعر الدولار الذي بارتفاعه خلال مدة الإنتظار ستزداد مداخيل التجار على حساب سعر السلع أيضاً، ما يعني ارتفاع سعر السلعة النهائي الذي سيصطدم به المواطن في نهاية المطاف.
ليس سوء تخطيط ولا تخبط!
المشكلة بنهاية المطاف تتضح بأنه، سواء كان هناك قرارات مشجعة أو ملزمة، أو بوجود غض للنظر، أو بوجود بعض التقييد، فإن شريحة المستفيدين، من كبار تجار ومستوردين وسماسرة وفاسدين، هي نفسها على طول الخط، كما إن شريحة المتضررين المتمثلة بالاقتصاد الوطني وبالمواطنين من المستهلكين، بالإضافة إلى الخزينة العامة، كذلك هي نفسها على طول الخط، حيث يتم استنزاف الشريحة الأولى للشريحة الثانية، كالمنشار «وعلى كل ضرس لون»، تباعاً.
ويبقى المواطن دائماً هو العاري، أمام سياسات الحكومة الليبرالية التي تتواطأ مع التجار دائماً فمع كل تمردًّ لهم يخرجون بمكسب جديد على حساب جيوب المواطنين!