قيمة الاستهلاك «صفر» لا تمنع الغرامة وتنذر بما هو أخطر
ربما لن تكون الحادثة غريبة، أو غير معتادة، إلا أنها تشير فعلاً إلى حجم التقاعس الموجود في الدوائر الرسمية، على حساب المواطن الذي يكون دائماً ضحية الاستهتار.
ذهب منهل «ص»، لدفع فاتورة الكهرباء وهو يحمل في جيبه مبلغ 10 آلاف ليرة سورية، اقترضها من أحد أقاربه، وهو يعلم تماماً أنه متأخر عن الدورة السابقة، وقد ترتب عليه دفع قيمة فاتورة دورة جديدة أخرى إضافة إلى التي سبقتها.
فاتورة دون قيمة!
الفاتورتان اللتان كان منهل ينوي تسديد قيمتهما، هما الدورة الخامسة والسادسة لعام 2015. يقول منهل «صدمت حينما قرأت الفاتورة عن الدورتين 5 و6 عن العام الماضي، فقد كانت قيمة الاستهلاك (صفر) ليرة سورية، حيث بقي مؤشر الاستهلاك ثابتاً عند ذات الرقم لدورتين متتاليتين، أي (أربعة أشهر)، دون أن يتحرك لا هو ولا شركة الكهرباء، التي مرت عليها القضية وكأنها شيء طبيعي».
وأردف «ماتضمنته الفاتورة هو مجرد ضرائب، حيث كانت قيمة فاتورة الدورتين 511 ليرة سورية فقط، تضمنت رسم النظافة وأجرة العداد، وغرامة التأخير، والفائدة لدورتين متتاليتين، أما الاستهلاك فكان (صفراً)».
وبحسب منهل، رغم عدم وجود أي استهلاك في الفاتورة، إلا أن ذلك لم يمنع شركة الكهرباء من وضع غرامة تأخير، لعدم تسديدها في وقتها المحدد. «لكن أي تأخير، وتأخير على ماذا، إن لم أصرف تياراً كهربائياً من وجهة نظرهم؟».
لايوجد موظف.. خمّن أنت!
يؤكد منهل أن هذه الحالة تكررت مع أكثر من شخص في منطقة صحنايا، وأنه راجع شركة الكهرباء في الأمر، لكن التبرير كان صادماً أكثر من الفاتورة، وهو أنه «لا يوجد موظفين لقراءة مؤشرات العدادات في تلك المنطقة، وغالباً مايتم تقدير الاستهلاك من قبل الشركة، أو قراءة مؤشر الاستهلاك من قبل المواطن ذاته!».
«من سوء حظي أو حسنه، لا أدري. صحيح أن الملبغ الذي اقترضته أعدته لصاحبه، لكن هذه الفاتورة تنذر بما هو أسوأ، فقد يأتي الموظف المتقاعس يوماً ما ويقرأ المؤشر بعد أن تكون قيم الاستهلاك قد تراكمت لدورات عدة، حينها سأدفع مبلغاً طائلاً نتيجة تقصير وإهمال شركة الكهرباء»، بحسب منهل.
عصام أيضاً، من المنطقة ذاتها، ويقول إن «شركة الكهرباء طلبت منه تسجيل مؤشر العداد واصطحابه عند دفع الفاتورة، كي يتم تسجيل الرقم الجديد بدلاً من التخمين»، وهنا، مهما كان الرقم الذي يصطحبه المواطن إلى الشركة سيكون محل ثقة، دون إثباتات تذكر!.
عدم قراءة مؤشر ساعات الكهرباء، ليس بالضرورة أن تكون نتيجته «استهلاك صفر ليرة»، بل قد تكون نتيجته تقديرات خيالية للاستهلاك من قبل الموظف المكلف بالقراءة، كي لا يكلف نفسه عناء طرق أبواب المنازل، أو التجوال في الأحياء.
رشوة بمسمى إكرامية
يقول أبو محمد، وهو من سكان حي ركن الدين بدمشق، إنه يدفع في الدورة الواحد حوالي 15 ألف ليرة سورية، بينما جيرانه في البناء تتراوح فواتيرهم بين 1000 أو 5000 ليرة سورية فقط، علماً أنه لا يملك أي تجهيزات كهربائية تزيد من استهلاكه للتيار الكهربائي أكثر من جيرانه على حد تعبيره.
وتابع «ما لدي من أدوات كهربائية لايزيد عن ممتلكات جيراني، لكن قارئ مؤشرات ساعات الكهرباء، يضع الأرقام وفقاً لتخميناته وتقربه من الجيران!»، وهنا يتهم أبو محمد أحد جيرانه بأنه «يدفع للموظف الذي يقرأ العداد في الشركة، كي لا يزيد له قيمة الاستهلاك، ولتبقى فاتورته تتراوح بين 1000 و1500 ليرة سورية في كل دورة».
ويؤكد أبو نزار، وهو أحد سكان منطقة صحنايا، أن هذه القضية، فتحت باباً للفساد والرشوة ابتدعها بعض جباة الكهرباء كي يضطر المستهلكون لملاحقتهم شخصياً، وترجيهم كي لا يتأخروا في قراءة عداداتهم، وبالتالي لأن يدفعوا لهم «إكرامية» مقابل القيام بواجبهم الوظيفي، وحمايتهم من الظلم!.
نظام الشرائح يزيد المشكلة
مواطنون في مناطق أخرى من دمشق وريفها، أكدوا لـ»قاسيون» أن موظفو شركة الكهرباء يقومون بقراءة العدادات مرة كل عدة أشهر، ويقومون بإجراء قراءة واحدة تدفع قيمتها في الفاتورة الأقرب، ماينتج عن ذلك صدور فواتير مرتفعة للغاية بسبب ضخامة الرقم الذي سيقرأه الجابي بعد تراكم استهلاك عدة دورات متتالية.
ونتيجة اتباع نظام شرائح الكهرباء التصاعدية، وخاصة بعد رفع سعر الشريحة الأولى، تكون النتيجة فواتير قيمتها بآلاف، وربما بعشرات آلاف الليرات، بصورة مفاجئة للمستهلكين الذين يكونون ضحية تقاعس الجابي عن أداء واجبه بانتظام وفي الموعد المحدد.
قيم متذبذبة وتقنين ثابت
وتعتبر قضية إهمال موظفي شركة الكهرباء في قراءة مؤشرات الاستهلاك، قديمة جداً، ورغم قدمها، إلا أنها لم تحل حتى اليوم، «وهي تتم بعلم وزارة الكهرباء، دون تحريك أي ساكن»، بحسب فؤاد، أحد سكان منطقة مساكن برزة بدمشق، الذي أكد أنه يعاني من هذه القضية منذ 8 سنوات على الأقل.
فؤاد قال: إن «مزاجية موظفي الكهرباء المطالبين بإجراء قراءات منتظمة ودورية لساعات الكهرباء، وإعطاء القيمة الصحيحة للفاتورة، واضح من خلال القيمة المتذبذبة بين دورة وأخرى».
وأردف «تتذبذب الفاتورة من دورة لأخرى منذ 8 سنوات عندما اشترينا هذا المنزل، مع أننا لا نغير من طرائق استهلاكنا للكهرباء نهائياً، وبالعكس، بات استهلاك الكهرباء خلال هذه الأزمة محدداً بساعات معينة فقط، مايعني انتظام الاستهلاك بعض الشيء».
بعض الفواتير قد تكون «مفرحة» بالنسبة لفؤاد وخاصة عندما تكون أقل من 1500 ليرة سورية، وأحياناً أخرى تسبب له مأساة، وخاصة عندما تتجاوز العشرة آلاف ليرة، وهنا يتذكر حادثة من هذا النوع قبل الأزمة الحالية، حيث صدرت فاتورة إحدى الدورات بقيمة 50 ألف ليرة سورية، وبعد تقديم شكوى، عاد الملبغ لينخفض إلى النصف، وسمح له بتقسيط باقي المبلغ، وكل ذلك نتيجة تقدير عشوائي لموظف حكومي، وعدم اكتراث من قبل وزارة الكهرباء.
سحب العداد دون انذار
يقول محمد، من سكان ركن الدين، «تفاجأت عندما عدت إلى المنزل بعد العمل ووجدت عداد الكهرباء وقد سحب، دون انذار مسبق، رغم إدراكي بأني مخالف بعدم تسديد بعض الدورات، ولكن كان من المفترض إنذاري، قبل أن يفكوا العداد، كي لا أبقى وأسرتي دون كهرباء».
يقول محمد، بأنه ذهب في اليوم التالي مباشرة وقام بتسديد ما عليه من تراكم، وقد استفسر عن عدم توجيه الإنذار، فأجابوه بأن «التعليمات تقضي بفك العداد مباشرة عند الامتناع عن تسديد أربعة دورات متتالية»، الأمر الذي استهجنه محمد، حيث أن الدورة الرابعة كانت قد صدرت للتو، وبأنه «من الواجب إعلام المواطنين بهذه التعليمات عند صدورها، ولا تترك هكذا تعليمات ليعلم بها المواطن عند التنفيذ ليعيش بعتمة، فوق العتمة الموجودة أصلاً».
وقد اضطر محمد لأن يدفع «اللي فيه النصيب» من أجل إعادة تركيب العداد ووصل التيار الكهربائي لمنزله، بالسرعة الممكنة، بعد أن سدد ما عليه من قيم فواتير.
بالمقابل أشار محمد إلى أن ورشة سحب العدادات نفسها قد تعاملت مع غيره من الجيران بأسلوب مختلف، حيث وبإكرامية مجزية، لم يفكوا العداد، مفسحين المجال أمام صاحب العداد لتسديد ما عليه من فواتير خلال ثلاثة أيام، هكذا..، وباتوا هم المنذرين والمستفيدين من تلك التعليمات غير المعممة.
المشترك من يدفع الضريبة فقط
بالنتيجة وعلى الرغم من سوء واقع خدمة تأمين التيار الكهربائي، وارتفاع سعر هذه الخدمة بشكل كبير، فان ما يزيد الطين بللة هو واقع التعامل مع المواطن بالمزيد من الاستهتار، علماً أنه من الواجب التعامل معه ببعض التقدير والاحترام تماشياً مع مفهوم الاشتراك بالخدمة، فما بالنا بتقدير الواقع المعاشي لهذا المواطن، الذي ينوء بحمله يوماً بعد آخر.
وعلى الطرف المقابل، فإن المشتركين عملياً هم من يدفعون الضريبة الكبرى، وهم من تطبق بحقهم التعليمات، كما الأسعار والجباية، لعلمنا المسبق، وحسب التصريحات الرسمية، عن واقع كميات السحب والاستجرار غير المشروع الكبيرة للتيار الكهربائي، بالإضافة لحالات التهرب هنا وهناك، وليس بمعزل عن الفساد والمحسوبيات.